|
| زوربــــــا اليونــــــــــاني | |
|
+3رامــــــ R$MO ــــــي فتافيــت سكــر الانثى الحائره 7 مشترك | كاتب الموضوع | رسالة |
---|
الانثى الحائره المشرفة العــامة
عدد المساهمات : 4353 تاريخ التسجيل : 09/09/2009 العمر : 39 الموقع : ***قلـــبه***
| | | | الانثى الحائره المشرفة العــامة
عدد المساهمات : 4353 تاريخ التسجيل : 09/09/2009 العمر : 39 الموقع : ***قلـــبه***
| | | | الانثى الحائره المشرفة العــامة
عدد المساهمات : 4353 تاريخ التسجيل : 09/09/2009 العمر : 39 الموقع : ***قلـــبه***
| موضوع: رد: زوربــــــا اليونــــــــــاني الأربعاء سبتمبر 23, 2009 4:58 pm | |
| الفصل الثالث
كان فندق مدام هورانتس عبارة عن صف من أكواخ الحمام القديمة جمعت مع بعضها البعض . أما الأولى فكانت دكانا لبيع الحلويات , و السكاير , والفستق عبيد , والشموع , والعلكة , وأربع غرف – أو أكواخ – متلاصقة تألفت منها غرف النوم . وفي الخلف كان المطبخ , وغرف الغسيل , و قن الدجاج والأرانب . وكان عيدان القصب الكثيفة مغروسة حول المكان في الرمل الناعم . وكانت رائحة البحر تعبق بالمكان بالإضافة إلى روائح ( البراز و البول ) . لكن الرائحة تتغير حين تمر مدام هورانتس بين وقت وآخر , وكأن احدهم افرغ طشتا للحلاق تحت أنفك . وما إن جهزت لنا الغرف والسرائر حتى انطرحنا عليها دون حراك ولم نستيقظ إلا في صباح اليوم التالي . كان اليوم الأحد والعمال سيصلون في الغد من القرى المجاورة ليبدأوا العمل في تمام التاسعة لذلك فقد ترك لي بعض الوقت لأقوم بجولة على الشاطئ الذي ساقتني إليه الأقدار . كان الفجر يكاد يلوح حين خرجت . فذهبت في سبيلي مارا , بالبساتين , متتبعا حافة البحر , متعرفا إلى الأرض والهواء . وصعدت إلى تله مجاورة , وأجلت نظري إلى منظر الصخور الغرانيتية والكلسية القاسية , وأشجار الخروب القاتمة , وأشجار الزيتون الفضية وأشجار التين والدوالي . د كان هذا المنظر , كما بدا لي , شبيها بالنثر الجيد , المصوغ بعناية فائقة , بسيطا , خاليا من الزخارف المصطنعة , قويا , صارما . لقد كان معبرا عن كل ماهو ضروري بطريقة سهلة . انه لم يكن متباهيا ولم يكن متصنعا , فهو ينطق بكل شيء بطريقة قاسية صارمة . لكن الليونة كانت متبدية من خلال أشجار البرتقال والليمون التي كانت تعطر الهواء برائحتها الذكية . ومن بعيد كان البحر الخالد يبدو كالشعر الذي لا ينفذ . - كريت . كريت قلت متمتما لنفسي وقلبي ينبض بالبهجة !!! ونزلت من التل الصغير , ورحت امشي قريبا من ماء البحر . فرأيت صبايا صغار يسرن في طريقهن إلى الدير لسماع القداس عند شاطئ البحر . وما إن ظهرت لهن حتى توقفن عن المسير , وأصبن برعب شديد , وتشبثن ببعضهن البعض , وعلمت فيما بعد أن رؤية رجل غريب كانت تخيفهن , فعلى طول الساحل الكريتي كان القراصنة في القرون الغابرة يقمن بغزوات مفاجئة , ويخطفون النساء والأطفال , ويربطونهن بأحزمتهم الزرقاء الغليظة ويلقون بهن في السفينة ويبيعوهن في الجزائر , والإسكندرية , وبيروت . ورحت انظر إليهن مبتسما بعد أن تكاتفن مع بعضهن البعض وسرن كالطود المرصوص , واقتربن مني وأضاءت وجوههن بالاطمئنان وتابعن مسيرهن بعد أن ألقيت عليهن تحية الصباح . وأشرقت الشمس عن سماء صافية , وجلست بين الصخور أتأمل البحر أمامي . وشعرت بالقوة تدب في جسدي . ورحت أجول بمخيلتي كالموج الهادر أمامي مطاوعا خاضعا دون مقاومة لنغمات البحر . وشعرت بالانقباض , وانطلقت من أعماقي أصوات متضرعة . وعلمت الذي يدعوني . فأينما أكون بمفردي كنت اشعر بثمة نداءات تطلبني , والمخاوف تنتابني ... وفجأة سمعت صوت رفيقي زوربا يناديني من الخلف , فاستدرت لأجده منتصبا وهو يضحك ويقول : - لقد بحثت عنك منذ ساعات , ولكن كيف أستطيع مشاهدتك في هذا المخبأ ؟ ولم اجبه على تساؤله , استطرد قائلا : - لقد مضى نصف اليوم , والدجاجة المطبوخة قد نضجت , وستذوب المسكينة بعد قليل . - نعم اعرف ذلك , ولكني لا اشعر بالجوع . - لا تشعر بالجوع !! ولكنك لم تأكل شيء منذ الصباح , إن في جسدا روحا , ويجب أن تشفق عليها , أعطها شيئا لتأكله , أيها الرئيس , أعطها شيء فإذا لم تطعمها تركتك في نصف الطريق . لقد احتقرت ملذات الجسد منذ سنين , ولو كان ذلك ممكنا لأكلت في الخفاء , كأني أقوم بعمل مخجل , وقلت لزوربا كي لا يثرثر . - حسنا , سآت . وذهبا إلى القرية بعد أن مرت الساعات الطوال بين الصخور وكما تمر الساعات بين العشاق كالبرق الخاطف . وسألني زوربا مترددا : - هل كنت تفكر بالمنجم ؟ - وهل تعتقد أني كنت أفكر بسواه ؟ ففي الغد سنبدأ العمل , لذلك يجب أن أقوم ببعض الحسابات . - وما هي نتيجة الحسابات ؟ - بعد ثلاثة اشهر يجب أن نستخرج عشرة أطنان من الفحم لنغطي مصاريفنا . ونظر إلي زوربا بشوق وقال : - وما أخذك إلى الشاطئ لتقوم بتلك الحسابات , بحق الشيطان ؟ أرجو المعذرة أيها الرئيس لسؤالي هذا , ولكني لا افهم , فعندما اضطر إلى مقارعة الأرقام , اشعر باني بحاجة إلى أن احشر نفس في جوف الأرض كي لا أستطيع مشاهدة احد , فإذا رفعت نظري ورأيت البحر , أو شجرة , أو امرأة , حتى لو كانت عجوز عند ذلك تطير جميع هذه الأرقام وسأضطر إلى مطاردتها . - ولكنها غلطتك أنت يا زوربا , فأنت لا تستطيع التذكير . - ربما تكون على حق , أيها الرئيس , فهذا يتوقف على نظرتك للأمور . فهناك حالات لا يتمكن حتى سليمان الحكيم .... اسمع , ففي ذات يوم بينما كنت مارا في قرية صغيرة , رأيت رجلا عجوزا يبلغ التسعين من العمر يزرع شجر اللوز فقلت له : " هل تزرع أشجرة لوز يا جدي ؟ " والتفت إلي وقال : " يا بني , أنا اعمل كأني لن أموت أبدا , واعمل كأني سأموت في أي لحظة . " والآن من كان منا على صواب , أيها الرئيس ؟ ونظر إلي نظرة المنتصر وقال : - والآن , لقد أحرجتك !! وبقيت ملتزما الصمت , فهناك ممران متساويان قد يؤديا إلى القمة نفسها , أن تعمل كأن الموت غير موجود , و أن تعمل متوقعا الموت في أية لحظة , هما أمران ربما كانا متشابهين , ولكن عندما سأني زوربا هذا السؤال لم استطع الإجابة عليه على التو . وقال لي زوربا هازئا : - حسنا ! لا بأس . لا تغضب أيها الرئيس فلن تستطيع المجادلة ولنتكلم عن أشياء أخرى . فانا الآن أفكر بالدجاجة و الأرز . لنأكل الآن . ومن ثم نر , فلكل شيء وقته المحدد . الآن أمامنا الأرز , فلنفكر به , وغدا سيكون المنجم أمامنا وسنفكر بأمره أيضا . وعند المقهى المجاور رأينا شيخا يبدو عليه الأسى يقف بانتظارنا . انه مافراندوني كبير رجال القرية الذي أجرنا المنجم , لقد جاء في الليلة الماضية إلى مدام هورانتس ليأخذنا إلى بيته وقال لنا : - انه من العار أن تظلا في الفندق , كأنه لا يوجد رجال في القرية ! لقد كان متأثرا , وكلماته كانت متزنة متناسقة مع مركزه المحترم في القرية . وعندما رفضنا طلبه شعر بالاستياء لكنه لم يلح . وقال لنا وهو يغادر الفندق : - لقد قمت بواجبي وانتم أحرار . وبعد قليل أرسل لنا شيئا من الجبن , وسله فواكه , وجرة من العرق , وقد قال لنا الخادم الذي احضرها : - مع تمنيات الكابتن مافراندوني . إنها ليست كثيرة , كذلك أوصاني أن أخبركما , لكن القد منها حسن ! واقتربنا منه والقينا عليه التحية , وأجابنا واضعا يده على صدره : - أتمنى لكما حياة طويلة . وتمتم زوربا معلقا : - انه لا يحب كثرة الكلام , ويبدو بوقفته كالقضيب العجوز . - لكنه فخور بنفسه , انه يعجبني . وما إن رأتنا مدام هورانتس , حتى صاحت مرتبكة وهرولت إلى المطبخ , وأسرع زوربا إلى وضع الطاولة على الشرفة تحت ظل الدالية , وجاء بالخبز وقطعه قطعا صغيرة , واحضر النبيذ , ثم نظر إلي بعد أن انتهى من إعداد الطاولة لثلاثة أشخاص وقال : - هل رأيت أيها الرئيس ؟ - نعم رأيت أيها الفاسق ! - إن الطيور العجائز التي تصلح للشواء ! وخذها نصيحة مني !! وراح يدمدم بأغاني الحب القديمة وهو يهرع متمما تجهيز المائدة . - هكذا يجب أن نعيش أيها الرئيس , يجب أن نستمتع بكل دقيقة نعيشها , إني اعمل أشياء كأني سأموت بعد دقيقة . وأنا أسرع بذلك كي لا يدركني الموت قبل أن احصل على العصفور . وسمع صوت مدام هورانتس : " إلى المائدة " . وقدمت إلينا القدر , ثم وقفت مشدوهة , فقد رأت الصحون ثلاثة , ورمقها زوربا وقد علا وجهها الاحمرار الشديد ولمعت عيناها الصغيرتان . وهمس زوربا قائلا : - لقد بدأت تشعر بالحرارة تدب فيها . ثم نظر إليها وقال لها بكثير من اللياقة والأدب : - يا جنية الأمواج الجميلة , لقد غرقت سفينتنا وألقى بنا البحر في مملكتك . أرجو أن تشرفينا , يا عروسة البحر الجميلة , وتشاركينا الطعام . وفتحت الغانية العجوز ذراعيها وضمتهما إلى صدرها , كأنها تريد أن تضمنا نحن الاثنين إليها , ثم تمايلت بعظمة ولامست زوربا ولامستني وأسرعت عائدة إلى غرفتها , وظهرت بعد قليل ترتدي أجمل ما لديها من ثياب : فستانا مفتوحا عند الصدر , وضعت عند الصدر وردة متألقة !! وأحضرت معها قفص الببغاء الذي علقته على غصن الدالية أمامنا . وبعد أن أجلسناها بيننا , رحنا نلتهم الطعام التهاما , دون أن ننبس بكلمة واحدة . فقد كان الحيوان داخلنا يأكل ويتغدى ويشرب الخمر , والطعام الذي نزوده يتحول بسرعة إلى دم , والعالم من حولنا يبدو أجمل , والسيدة التي تتوسطنا بدأت تبدو اصغر في كل لحظة والتجاعيد في وجهها بدأت تزول وتمحى .... وكان الببغاء المعلق على الشجرة , ينظر إلينا كأنه رجل غريب قد سحره هذا المنظر ... وكانت عينا زوربا تدور في محجريهما , ثم فتح ذراعيه كأنه يريد أن يعانق العالم كله ثم صاح بي مدهوشا . - ماذا جرى , أيها الرئيس ؟ فما إن نشرب كأسا من النبيذ حتى يبدو العالم وقد فقد صوابه . ومع ذلك فالحياة كلها خمر ونبيذ . قل لي , بشرفك , هل هذه عناقيد متدلية فوق رؤوسنا ؟ أو هي ملائكة ؟ لا اعلم . أم ترى ليست شيئا على الإطلاق , ولا شيء موجود , لا الدجاجة , ولا عروسة البحر , ولا كريت ! قل لي أيها الرئيس , تكلم كي لا أفقد عقلي .... ولاحظت أن زوربا بدأ يشعر بالفرح . لقد شبع من الدجاجة , و راح ينظر إلى مدام هورانتس . كانت نظراته تغتصبها , وتصعدان إلى جسدها وتدخلان إلى صدرها المنتفخ وتتحسسانه وكأنهما يدان . وكانت عينا السيدة الصغيرة تلمعان من السرور , فقد بدأت تستمتع بعد أن أفرغت عدة كؤوس من النبيذ . وبدا كأن شيطان الخمر قد رجع بها إلى الوراء إلى أيام الصبا الجميلة . ونهضت وقد عاد إليها لطفها وبشاشتها ورغبتها , ثم أغلقت باب الحديقة الخارجي كي تمنع الأعين الفضولية من رؤيتنا وأشعلت سيجارة وراحت تنفث دخانها بهدوء واستمتاع . في أوقات كهذه تنفتح أبواب المرأة جميعها . ويستريح حراسها , والكلمة الطيبة تصبح قوية كقوة الذهب أو الحب . وهكذا أشعلت غليوني وقلت تلك الكلمة الطيبة : - مدام هورانتس , أنت تذكريني بسارة برنهارت .... عندما كانت صغيرة , لم أكن للحقيقة انتظر رؤية أناقة , كهذه عظمة , كهذه , لياقة كهذه , وجمالا كهذا الجمال . ما هذا ( الشكسبير ) . - شكسبير ؟ أي شكسبير ؟ - الذي أرسلك إلى هنا بين المتوحشين . وطارت بتفكيرها إلى أيام الغناء والمسرح , وجالت به في المقاهي والمسارح من باريس إلى بيروت , وعلى طول شواطئ الأناضول , وكأنها تذكرت فجأة : لقد كان ذلك في الإسكندرية , وفي مسرح كبير عامر بالثريات , والمقاعد الفخمة , والرجال والنساء , والظهور عارية , والعطور , والأزهار , وفجأة ارتفعت الستارة , وظهر رجل اسود مخيف ..... - أي شكسبير ؟ وسألتني مرة أخرى بكبرياء , فقد تذكرت . - هل هذا الذي يدعونه أيضا عطيل ؟ - هذا هو . أي شكسبير إذن ألقى بك على هذه الصخور الوحشية , أيتها الزهرة البيضاء ؟ ونظرت حولها , وكانت الأبواب مغلقة , والببغاء نائمة , والأرانب تتبادل الحب , وكنا لوحدنا , وراحت تفتح لنا قلبها , وكأنها تفتح أمامنا صندوقا عتيقا , مملوءا بالطيب , وأوراق الرسائل الصفراء والثياب القديمة . وكانت تلفظ بعض الكلمات باليونانية , وراحت تخلط بينهما , ولكننا تمكنا من فهمها بوضوح . وفي بعض الأحيان كنا نجد صعوبة في إخفاء ضحكاتنا , وفي بعض الأحيان كنا ننفجر بالبكاء , علما أننا قد شربنا كثيرا من النبيذ . - حسنا إن السيدة التي تنظرون إليها الآن , لم تكن مغنية بسيطة في الحانات , كلا , فقد كانت فنانة شهيرة وكنت ارتدي ثيابا داخلية من الحرير الخالص . ولكن الحب ....
وتنهدت تنهيدة عميقة , وأشعلت سيجارة ثانية من زوربا وقالت : - لقد أحببت أميرالا . فقد أصبحت كريت مرة أخرى ولاية ثائرة وأساطيل الدول العظمى بدأت ترسو في مرفأ ( سورا ) . وبعد أيام قليلة رسوت أنا الأخرى هناك . آه , يا للحظ ! لو رأيتم هؤلاء الاميرالة الأربعة ... الإنكليزي , الفرنسي , الطلياني , الروسي , جميعهم متلفحين بالذهب , والأحذية اللماعة , والقبعات المريشة , كالديوك تماما , ويا لتلك اللحى , المجعدة الحريرية , الداكنة , الشقراء , الرمادية , والحمراء , وما أطيب رائحتهم ! فكل واحد منهم كانت له رائحته المميزة , فهكذا كنت أميز بينهم في الظلام , فإنكلترا كانت تتميز برائحة الكولونيا , وفرنسا برائحة البنفسج , وروسيا برائحة المسك , وايطاليا , آه ! ايطاليا المشغوفة بالعطر . يا الهي , يا لهذه اللحى ! وكنا نلتقي عدة مرات على ظهر سفينة العلم , ونتحدث عن الثورة . وكانت بزاتهم مفتوحة وكان ثوبي الحريري يلتصق بجسدي , فقد كانوا يصبون عليه الشمبانيا , وكان ذلك كله في الصيف , كما تعلم . وكنا نتحدث عن الثورة بجدية , وكنت ارجوهم وأتضرع إليهم ألا يطلقوا مدافعهم على الكريتيين المساكين . وكنا نشاهدهم بالمنظار على الصخور قرب ( كايني ) ضئيلين كالنمل , يرتدون قمصانا زرقاء وأحذية صفراء , وهم يصرخون ويصيحون . وكان معهم علم ... وفجأة سمعنا صوتا خلف قضبان القصب , وتوقفت المجاهدة العجوز عن الكلام , مذعورة . ورأينا بين القضبان عيون الأطفال الخبيثة تراقبنا .... وحاولت المغنية القيام عن الكرسي , ولكنها لم تتمكن , فقد أكلت وشربت كثيرا . فعادت إلى الجلوس وهي تتصبب بالعرق , وأخذ زوربا حجرا فتفرق الأولاد وهم يصرخون . - استمري , يا جميلتي , استمري يا كنزي ! كذلك قال زوربا , واقترب بكرسيه منها . - وقلت للأميرال الطلياني , فقد كنت قد ألفته أكثر من الأخرين , وأمسكت بلحيته وقلت له ! " كانافارو أرجوك , يا كانافارو العزيز , لا تفعل بوم ,بوم ! أرجوك ! " كم من المرات كانت هذه المرأة الجالسة أمامكم تنقذ حيات الكريتيين من موت محتم ! كم من المرات كانت المدافع جاهزة للإطلاق , وكنت اهرع لامسك بلحيته وارجوه ألا يفعل بوم ! بوم ! ولكن من الذي شكرني على ما فعلته من اجلهم ؟ وبدلا من الوسام انظروا ما حصلت عليه ... لقد كانت مدام هورانتس غاضبة اشد الغضب لجمود الرجال , وضربت على الطاولة بقبضتها الطرية . ومد زوربا يده إلى ركبتيها المنفرجتين وامسك بهما , بعطف مصطنع وصاح : - يا بوبولينتي , بحق السماء لا تفعلي بوم ! بوم ! - ارفع يدك . كذلك صاحت به السيدة الطيبة , وأضافت بعد قليل : - من تظنني ؟ وجحدته بنظرة غاضبة .... - إن الله موجود في السماء لا تزعجي نفسك , يا بوبولينتي , فنحن هنا يا حبيبة , لا تخافي .. ورفعت عروسة البحر العجوز ,عينيها إلى السماء ورأت ببغائها الأخضر يغط في النوم , وقالت بصوت حنون : - كانافارو , كانافارو . وما إن سمع الببغاء صوت سيدته حتى فتح عينيه وامسك بقضبان القفص وردد قولها : كانافارو , كانافارو . - موجود ! صاح زوربا وهو يضع يده من جديد على تلك الركبتين التين خدمتا كثيرا , كأنه يريد امتلاكهما . واستدارت المغنية العجوز على كرسيها وفتحت فيها لتقول : - وأنا أيضا حاربت ببسالة , لقد حاربت صدرا بصدر , لكن الأيام العصيبة جاءت وتحررت كريت بعد أن تلقت الأساطيل الأوامر بالانسحاب . ( ولكن ماذا سأصير إليه ؟ ) كذلك قلت وأنا امسك باللحى الأربعة . ( أين ستتركونني ؟ لقد تعودت على العظمة وعلى الشمبانيا , والدجاج ! لقد اعتدت على البحارة الصغار وهم يؤدون لي التحية العسكرية حين أمر أمامهم , سأصبح أرملة أربعة مرات , يا سادتي الأعزاء ) ولكنهم سخروا مني .... ! هكذا هم الرجال . لقد أشبعوني بالليرات الإنكليزية والإيطالية , والروبلات والفرنكات التي وضعوها في جواربي , وقميصي وحذائي . وفي الليلة الأخيرة بكيت كثيرا حتى إن القواد الأربعة أشفقوا علي , فملأوا المغطس بالشمبانيا , ووضعوني به , ثم شربوا على شرفي وسكروا , وبعد ذلك اطفأوا النور ... وفي الصباح استيقظت على رائحة العطور الممزوجة تفوح في الغرفة , رائحة البنفسج و الكولونيا وغيرها ... لقد كنت ممسكة بالدول الأربعة , إنكلترا , فرنسا , روسيا , وايطاليا , وعلى ركبيتي , هنا على ركبيتي , وذهبت هكذا معهم .... ثم راحت مدام هورانتس تهز بيديها كأنها تلاعب طفلا صغيرا على ركبتيها , ثم قالت - هكذا , هكذا . وعند انبلاج الصباح راحت المدافع تطلق في الهواء . واقسم أن ذلك كان على شرفي , نعم أطلقوا المدافع , وجاء زورق صغير ابيض ليقلني إلى الشاطئ . ثم تناولت منديلها وراحت تمسح بدموعها وتبكي .... و هتف زوربا : - أغمضي عينيك يا بوبولينتي الصغيرة , أغمضي عينيك يا كنزي . فأنا هو كانافارو ! وصرخت السيدة الفاضلة : - ارفع يدك , لقد قلت لك ذلك , وانظر إلى نفسك , أين شاراتك الذهبية ؟ والقبعة واللحية المعطرة ! آه ! آه ! لقد بدأ الطقس يبرد , وساد صمت حولنا , وكان البحر من وراء القصب يتنهد . لقد سادت الطمأنينة والهدوء أخيرا . فالريح سكنت والشمس غرقت عند الأفق لتنام . ومر من فوقنا غرابان يصفقان بأجنحتهما كأن قصر من الحرير تمزق , ربما كان قميص مغنية !! وهمهم زوربا بعطف وهو يضغط بركبته على ركبتها : - يا بوبولينا , لا تضطربي , ليس هناك من اله أو شيطان , ارفعي رأسك الصغير , واسندي خدك على يدي وانشدي لنا أغنية , وليذهب الموت إلى الجحيم . لقد كان زوربا يشتعل بالحب . وكانت يده اليسرى تفتل شاربه , بينما يده اليمنى تنساب على المغنية المنتشية ... وكانت كلماته تنطلق متقطعة وعيناه واهنتان . ولم تكن هذه العجوز المطلية بالمساحيق هي التي تثيره , بل انه كان يرى آفاق متمثلا , الجنس الأنثوي بأجمعه , كما كان يدعو المرأة . لقد اختفى القرد , وانمحى الوجه سواء أكان فتيا أم هرما , جميلا أم بشعا , فهذه كانت اختلافات لا أهمية . إن خلف كل امرأة يقف وجه أفروديت المقدس الغامض . هذا هو الوجه الذي كان يراه زوربا , ويحدثه ويشتهيه . أما مدام هورانتس فلم تكن سوى قناعا شفافا سريع الزوال يمزقه زوربا ليقبل الشفاه الخالدة . وردد في صوت متضرع هامس : - ارفعي عنقك الناصع , يا كنزي , ارفعي العنق الأبيض وأنشدينا بأغنية جميلة ؟ ووضعت المغنية العجوز يدها على خدها , وراحت تنشد أغنية من أغنياتها القديمة , وقفز زوربا واحضر السانتوري , جلس متربعا على الأرض ثم صاح بأعلى صوته : - آوه , آوه , خذي سكينا واقطعي به عنقي , يا بوبولينتي .... وعندما بدأ الليل يقترب , وبدأت النجوم تتألق بالسماء , وبعد أن ملأت النشوة نفوسهما , ابتدأت مدام هورانتس تتقلب وتلتصق بزوربا برفق ودلال , ونظر إلي مشيرا ثم همس بقوله : - لقد بدأت تنسجم , كن لطيفا واتركنا لوحدنا ... | |
| | | الانثى الحائره المشرفة العــامة
عدد المساهمات : 4353 تاريخ التسجيل : 09/09/2009 العمر : 39 الموقع : ***قلـــبه***
| موضوع: رد: زوربــــــا اليونــــــــــاني الأربعاء سبتمبر 23, 2009 5:05 pm | |
| الفصل الرابع
عندما انبلج الصباح استيقظت لأرى زوربا أمامي جالسا عند طرف السرير يدخن وهو غارق في بحر من التأملات , وعيناه مسمرتان على زجاج النافذة ... وتذكرت أني تركتهما لوحدهما ليلة البارحة وقلت له : - إني ذاهب , يا زوربا , تمتع جيدا , وتشجع .... وقد قال لي : - إلى اللقاء أيها الرئيس , اتركنا نرتب الأمر جيدا . وقد بدا لي أنهما رتبا الأمر جيدا , فقد سمعت في الليل أصواتا مكتومة , وتهزهزات في الغرفة المجاورة . وبعد منتصف الليل دخل زوربا إلى غرفتنا عاري القدمين وانطرح على السرير بكثير من الهدوء كي لا يوقظني ... ولكنه الآن , عند الفجر , يبدو شاردا , وعيناه تضيع بعيدا , وكان لا يزال غارقا في نشوة الليل الفائت مستسلما بهدوء إلى شعاع الشمس المتداخل من زجاج النافذة . وبدأت القرية تفيق من نومها , وبدأت الحركة تدب في الأزقة ممتزجة بأصوات الديوك والخنازير , والحمير , والناس . وخطر لي أن اقفز من سريري واصرخ : " هيا يا زوربا فلدينا عملا اليوم " لكني كنت اشعر أنا الآخر بسعادة كبيرة في الاستسلام هكذا دون حراك منتظرا تسرب الفجر الرائع ,ففي هذه اللحظات الساحرة تبدو الحياة , خفيفة كالغبار , وتبدو الأرض كأنها تتكون من الريح كالغيوم المتموجة الطرية ... ونظرت إلى زوربا وهو يدخن , فشعرت برغبة في التدخين أنا الآخر , فتناولت غليوني . وحدقت به منفعلا . انه غليون إنكليزي الصنع , كان صديقي القديم قد أهداني إياه , وتذكرت قوله حين منحني هديته تلك : خذ هذا الغليون , واترك السجائر التي تدخن نصفها وترميها بعد ذلك كأنها امرأة عاهرة , تزوج الغليون , فهو كالمرأة الوفية فعندما تعود إلى بيتك , ستجده دوما هناك بانتظارك فتشعله وتجلس تتأمل دخانه الصاعد في الهواء , ثم تذكرني .... لا زلت اذكر إن الوقت كان ظهرا , وكنا في احد متاحف برلين , حيث كان صديقي يودع لوحته العزيزة ( المحارب ) للرسام رامبراندت , ونظر صديقي إلى تلك اللوحة متأملا المحارب الحاقد اليائس . وقال : " إذا ما تمكنت من القيام في حياتي بعمل جدير بالرجل , فسأكون مدينا به له !! " كنا في صالة المتحف , نقف قرد عامود , وأمامنا تمثال من البرونز لفارسة عارية تمتطي حصانا بريا متوحشا . وغط عصفور على رأس التمثال والتفت صوبنا وهز بذنبه وأطلق لحنا هازئا ثم طار في سبيله . وارتعدت وأنا انظر إلى صديقي وسألته : - هل سمعت العصفور ؟ لقد خلت انه قال لنا شيئا , ثم طار في سبيله . وابتسم صديقي وأجابني بمثل من أمثالنا العامة : ( انه عصفور , دعه يغني , انه عصفور , دعه يتكلم ) كيف كانت , في هذه اللحظة عند طلوع الفجر , عند شاطئ كريت هذه الذكرى تعود إلى مخيلتي مع هذا المثل الحزين لتملأ عقلي بالمرارة ؟ ووضعت قليلا من التبغ في غليوني وأشعلته . إن كل شيء في هذا العالم له معان خفية . الرجال . الحيوانات . الشجر . النجوم , إنها تبدو كالرموز الهيروغليفية لمن بدأ في حل رموزها ليكتشف خفاياها .... فعندما تراها فإنك لا تفقه لها معنى , فتعتقد أنها رجال اقحاح , وحيوانات , وأشجار , ونجوم , ولكن بعد مرور السنين وبعد فوات الأوان تفهم معناها الحقيقي ... ورحت أتابع الدخان المتصاعد من الغليون , وكانت روحي تندمج بهذا الدخان , وتتلاشى معه في الحلقات الزرق المكونة . ومر وقت طويل , كنت اشعر , دون العودة إلى المنطق , وبتأكيد لا يوصف , بحقيقة هذا العالم وانبثاقه وزواله . وأطلقت زفرة هادئة أيقظتني من أفكاري الشاردة , فنظرت إلى ما حولي إلى هذا الكوخ الخشبي الفقير , وهذه المرآة الصغيرة المتدلية على الحائط والمنعكس عليها شعاع الشمس , فبدت تقدح بالشرر . وكان زوربا لا يزال جالسا على حافة السرير يدخن بهدوء مديرا لي ظهره . ومرت أحداث الأمس بمخيلتي , رائحة البنفسج والكولونيا , والمسك والببغاء الذي بدا كالرجل قد تحول إلى ببغاء يضرب قفصه بجناحه مناديا حبيبا قديما , وسفينة قديمة , لا تزال الوحيدة الباقية على قيد الحياة لتقص أقاصيص الحرب والمعارك البحرية القديمة .... واستدار زوربا عندما سمع صوت زفرتي , وتمتم قائلا : - لقد أسأنا التصرف , لقد أسأنا التصرف أيها الرئيس . لقد ضحكت , وكذلك فعلت أنا , وقد رأتنا هي , وهذه الطريقة التي غادرتنا بها دون أن تنبس بكلمة رقيقة واحدة . يا للعار اللعين ! إن هذا ليس تهذيبا , أيها الرئيس . وهذه ليست طريقة حسنة للتصرف , اسمح لي أن أقول لك . إنها امرأة على كل حال . أليس كذلك ؟ مخلوقة ضعيفة خائفة . وقد عملت جيدا حين بقيت لأعزيها . - ولكن ما تعني بقولك يا زوربا ؟ وهل تعتقد بكل جدية إن جميع النساء ليس في عقولهن شيء سوى هذا ؟ - نعم أيها الرئيس , فليس في عقولهن شيء آخر . أصغ إلي الآن .... لقد رأيت جميع الأشياء , وعملت في كل شيء ... إن المرأة ليس عندها من شيء آخر في نظرها . إنها مخلوق ضعيف مشاكس . وإذا لم تقل لها انك تحبها وتريدها فإنها تبدأ في البكاء . وربما هي الأخرى لا تريدك إطلاقا , بل ربما تحتقرك وربما تقول لك كلا , فهذه مسألة أخرى لكن جميع الرجال الذين يرونها يجب أن يشتهونها , فهذه ما تريده تلك المخلوقة المسكينة , لذلك فالأجدر أن تحاول إرضاءها . فأنا مثلا , كانت لي جدة تبلغ الثمانين من عمرها . إن قصتها حقيقية تماما . وكانت تسكن قريبا من منزلنا فتاة صبية نضرة كالوردة , واسمها كريستالو . وفي كل يوم سبت عند المساء , كنا نحن الشباب نذهب إلى الحانة لنحتسي كأسا من الخمر وننتشي به , ثم نضع ضمة من الحبق وراء أذننا ويأخذ ابن عمي قيثارته ونذهب للتنزه . يا للحب يا للعاطفة .... كنا نخور كالبقر وكنا نريدها وكل يم سبت كنا نتوجه لها مرة واحدة ليقع اختيارها على واحد منا . حسنا ... هل تصدق هذا أيها الرئيس ؟ يا له من لغز ؟ إن في النساء جرحا لا يلتئم بالمرة . كل الجروح تشفى إلا هذا . لا تعتمد كثيرا على كتبك ... انه لا يلتئم أبدا . لماذا ... لأنها قد أصبحت في الثمانين ؟ ومع ذلك فالجرح لا يزال مفتوحا . إذن كل سبت كانت العجوز المتصابية تجر أشياءها نحو النافذة . وتتناول مرآتها الصغيرة وتحاول تسريح ما تبقى من شعرها وتنشره على فرقتين فوق جمجمتها . ومن ثم تختلس نظرات سريعة حولها خوفا من ان يشاهدها احد , وان اقترب احد منها , تندفع إلى الوراء لتستكين بهدوء وتدعي النوم . ولكن كيف كانت تستطيع النوم ؟ فإنها بانتظار النزهة وهي في الثمانين من عمرها ... هل ترى الآن هذا اللغز المجهول في المرأة أيها الرئيس ؟ إن هذا يشدني الآن للبكاء . أما في ذلك الوقت فقد كنت تافها . ولم افهم هذا . وهذا ما كان يدفعني للسخرية , في احد الأيام غضبت منها , لقد كانت توبخني لأنني كنت اجري خلف الفتيات . عندها صحت في وجهها دون مواربة وبكل صرامة !! لماذا تدلكين شفتيك بورق الجوز كل سبت . وتسرحين شعرك . أتظنين بأننا نتنزه من أجلك ؟ إننا نأتي من أجل كريستالو . أما أنت فلست إلا جيفة نتنة . هل تصدق أيها الرئيس ؟ في ذلك اليوم عرفت فقط ما هي المرأة . دمعتان دفقتا من عيني جديتي . انكمشت كأنها كلبة , وراحت ذقنها ترتجف . وصحت " كريستالو " واقتربت منها أكثر لكي تتمكن من أن تسمعني بوضوح : " كريستالو " ... إن الشباب حيوانات قاسية , إنهم ليسو من المخلوقات الإنسانية . لا يفهمون شيئا . عندها رفعت جدتي ذراعيها النحيلتين نحو السمار وصاحت " عليك اللعنة من أعماق قلبي " ومنذ ذلك اليوم بدأت صحتها تتلاشي وتتدهور , وبعد شهرين كان يومها قد بدأ يقترب . وبدت أيامها معدودة . وعندما كانت تحتضر شاهدتني . فشهقت كأنها حشرة وحاولت أن تمسكني بأصابعها وقالت " لقد كنت أنت من أنهى حياتي . فليلعنك الله يا الكسيس ويجعلك تعاني كل ما عانيته أنا " وابتسم زوربا وتابع : - آه . إن لعنة العجوز قد أصابت هدفها . وراح يصلح من حال شاربه وتابع قائلا : - إنني في الخامسة والستين الآن , ولو عشت حتى المئة فلن أتقاعد , فسأظل احمل المرآة الصغيرة في جيبي , وسأبقى اجري خلف النساء . وابتسم ثانية , ورمى سيجارته من النافذة , ومد ذراعيه قائلا : - لي أخطاء غير هذه كثيرة , إلا أنها الوحيدة التي سوف تقضي علي . وقفز من سريره وصاح : - لقد تحدثنا بما فيه الكفاية اليوم . يجب أن نستغل اليوم . وارتدى ثيابه وحذائه بمثل لمح البصر وخرج . وبرأس محني , رحت استعيد كلمات زوربا , وفجأة لمعت في رأسي , مدينة مغطاة بالثلوج , كنت في معرض لأعمال " رودان " وتوقفت لأنظر إلى يد برونزية ضخمة " يد الله " كانت اليد نصف مفتوحة . وفي نصف الراحة كان يوجد رجل وامرأة متعانقان يكافحان . جاءت فتاة واقتربت مني . وكانت تبدو غير مستكينة ومضطربة , وراحت تنظر إلى ذلك العناق الأبدي بين الرجل و المرأة . كانت نحيلة , أنيقة , وكان لها شعرا أشقر كثيفا . وذقنا قاسية وشفاه ناعمة كان باديا عليها التصميم والرجولة . كان في طبيعتي عدم البدء بالحديث . ولكن لا ادري ما الذي دفعني لأن ألتفت نحوها وأسألها : - بماذا تفكرين ؟ فتمتمت بسرعة ؟ - آه ... لو نستطيع أن نهرب !!! - وأين نذهب , فيد الله في كل مكان . فلا يوجد أي مهرب . هل أنت أسفة ؟ - كلا .... فالحب قد يكون اكبر متعة في الوجود . هذا ممكن . إنما الآن فأرى تلك اليد البرونزية . فأفكر بالهرب - أتفضلين الحرية ؟ - أجل . - ولكن لنفترض بأننا عندما نطيع تلك اليد نشعر بأننا أحرار . لنفترض بأن كلمة " الله " ليس لها المعنى التي تمنحه له الجماهير . نظرت إلي بقلق وبدت عيناها رماديتان , وشفتاها جافتين مرتين . - لم أفهم .. قالت وابتعدت بسرعة . اختفت , ومن ذلك الوقت لم أفكر فيها مطلقا . . ولكن لابد وأنها كانت تعيش في داخلي , واليوم على هذا الشاطئ المهجور ظهرت من جديد شاحبة نحيلة , من أعماق كياني . نعم لقد كان تعرفي غير لائقا , كان زوربا على حق , فاليد البرونزية كانت حجة , فالاتصال الأول قد تم . وكانت الكلمات اللطيفة قد تبودلت وكان من الممكن تدريجيا , أن نتعانق ونتحد بهدوء ودون إزعاج في يد الله . إلا أنني قفزت فجأة من الأرض نحو السماء . فارتعشت الفتاة وهربت . كان الديك العجوز يصيح في باحة حديقة السيدة هورانتس , وأنوار الصباح الجديد قد بدأت تزحف عبر النافذة الصغيرة . وانحدرت من الفراش . كان العمال قد بدأوا يغدون حاملين معاولهم ومجارفهم , وراح يتناهى لمسامعي صوت زوربا يصدر الأوامر . فقد انغمس في العمل بسرعة فائقة . إذ أن الإنسان يشعر بأنه يعرف كيف يأمر , ويحب المسؤولية . مددت رأسي من النافذة الصغيرة وشاهدته واقفا هناك , كأنه عملاق بين ثلاثة من العمال النحيفين , القساة , السمر . كانت يده ممدودة بقسوة وكانت كلماته مختصرة وفي صلب الموضوع . وبعد قليل امسك بعنق فتى صغير كان يتقدم متمتما بصوت خفيض , فصاح زوربا : - هل عندك شيء لتقوله ؟ هيا قله بسرعة وبصوت عال , فأنا لا أحب الدمدمة , يجب أن تكون مستعدا للعمل و إلا عد إلى الحانة . عندها ظهرت السيدة هورانتس , بشعر مشعث , وخدين غائرين , لأنها لم تضع أي مسحوق على وجهها . وكانت ترتدي ثوبا طويلا قذرا , وتنتعل زوجا من الأحذية الطويلة المهترئة . وسعلت سعالا قاسيا كسعال مغنية سابقة , كأنه نهيق حمار , توقفت ونظرت نحو زوربا بكل فخر وكبرياء , ومضت عيناها , فسعلت من جديد , متى يلحظها , ومرت بقربه , تهز وتحرك ردفيها بإثارة مصطنعة , أكمامها الوسخة كادت تلمسه , إلا انه لم يتحمل مشقة النظر إليها , وأخذ قطعة من خبز الشعير وقبضة من الزيتون وصاح بالعمال : - الآن أيها الرجال . باسم الله , ارسموا علامة الصليب . وسار بعيدا يتقدم الرجال بخط طويل نحو الجبال . لن أصف هنا العمل في المنجم ... فهذا يحتاج لصبر طويل , وأنا ينقصني الكثير منه , قرب البحيرة بنينا كوخا من القصب والخيزران وبقايا صفائح البنزين , كان زوربا يستيقظ عند الفجر , ويتناول معوله , ويذهب إلى المنجم قبل كل العمال , ويفتح نفقا جديدا , ويكتشف عرقا من الفحم ويرقص من الفرح . إلا أنه بعد يومين أو ثلاثة يتوه عن العرق فيصيح ويرمي نفسه على الأرض ويرفع رجليه ويلوح بهما نحو السماء كأنه يسخر أو يهزأ من السماء .
كان يعمل بكل إخلاص . ومنذ اليوم الأول تحولت كامل المسؤولية عبر يدي ليستلمها هو بكل شجاعة , كان عمله هو أن يتخذ القرار وان يضعه قيد التنفيذ , وكان علي تحمل العواقب . إلا أن هذه التدابير ناسبتني أكثر لأنني شعرت بأن هذه الشهور ستكون أسعد أيام حياتي وباعتبار كل هذا شعرت بأنني أشتري سعادتي بثمن زهيد ... كان جدي , والد أمي , الذي كان يسكن في إحدى قرى جزيرة كريت , اعتاد أن يحمل كل ليلة فانوسه ليدور في شوارع الفرية , عله يصادف أحد الغرباء . فيصطحبه إلى المنزل ليقدم له الطعام والشراب , ومن ثم يجلس فوق أريكته المعتادة ويشعل غليونه التركي , ويلتف نحو ضيفه , الذي حان الوقت لكي يرد له الضيافة , ويقوا بلهجة واثقة قاسية : - هيا ... تكلم ... - أتكلم .... عن ماذا أيها الأب موستويورجي ؟ - ماذا تكون ؟؟ من تكون ؟؟ من أين أنت ؟؟ عن المدن والقرى التي زرتها ؟؟ كل شيء , حدثني عن كل شيء . هيا تكلم . ويبدأ الضيف بالحديث دون هدف , ليخلط بين الحقائق والأساطير , بينما يكون جدي جالسا بهدوء فوق أريكته يدخن غليونه , يصغي لضيفه بكل جوارحة ومتابعا له في جميع أسفاره . وإن أحب الضيف , فسوف يقول له : - سوف تبقى يوم غد أيضا , سوف لن ترحل , فقد بقي عندك أشياء كثيرة لتقصها علي . لم يترك جدي قريته أبدا , حتى إلي كانديا أو كانيا ( لماذا أذهب لهناك ) كان يقول إن بعض أهالي كانديا وكانيا , يمرون من هنا . وهكذا فكانديا وكانيا يأتون إلي . إذن لماذا أذهب أنا إليهم ؟!!! وعلى هذا الشاطئ الكريتي اتبع أنا عادة جدي . أنا أيضا قد وجدت ضيفي بعد أن بحثت عنه مع قنديلي . وسوف لن أدعه يرحل . بالطبع هو يكلفني أكثر من مجر عشاء , إلا أنه يستحق كل هذا , كل مساء انتظر عودته من العمل , و أجلسه أمامي ونلتهم طعامنا . وحين يحين الوقت ليرد لي الضيافة أقول له " تكلم " وأدخن غليوني وأصغي . هذا الضيف قد شاهد العالم بأسره وخبر الروح البشرية . وأنا لا آمل أبدا الإصغاء إليه . - تكلم يا زوربا ..... تكلم وعندما يبدأ حديثه تبدو أمام ناظري " ماسيدونيا " حيث تمتد في الفسحة التي بين زوربا وبيني , بجبالها وغاباتها و سيولها وثوارها . ونساءها الذين يعملون بجد ورجالها ذوو الأجسام الضخمة . وأيضا جبل آتوس بأبرشياته الواحد والعشرون ومصانع الأسلحة , وسكانه العاطلين عن العمل . وعندما ينهي زوربا حديثه عن الرهبان يهز رأسه ويغرق بالضحك قائلا : - ليحفظك الله أيها الرئيس من مؤخرات البغال ومقدمات الرهبان . كل يوم يأخذني زوربا عبر اليونان , بلغاريا والقسطنطينية . فأغمض عيني ... وأرى . كان قد جال كل سهول البقان وعاينها بعينيه الصغيرتين اللتين كان يفتحهما بدهشة وتعجب , أشياء اعتدنا عليها , تمر أمامنا بكل بساطة . وفجأة تقفز أمام زوربا كأنهم مردة مخيفين . وعندما يشاهد امرأة تمر أمامنا , يتوقف بذهول ويتساءل : - يا لهذا اللغز المحير ! ما سر المرأة .... لماذا تدير رؤوسنا .؟ هيا أخبرني .. أنا أسألك ما معنى هذا ؟؟؟ انه يستجوبني بهذه الطريقة , وبمثل هذا الذهول , كلما لمح رجلا , شجرة في أوجها أو قدحا من الماء البارد . إن زوربا يرى يوميا كل هذه الأشياء وكأنه يراها لأول مرة . بالأمس كنا جالسين قرب الكوخ , عندما عب كأسا من الخمر , والتفت نحوي بسرعة قائلا : - مهما يكن هذا السائل الأحمر , أيها الرئيس اخبرني , . أغصان قديمة تنبت أغصان . وفي بادئ الأمر بعض الحصرم الحامض يتدلى فيها . ويمر الوقت وتنضج تحت أشعة الشمس , ويصبح بحلاوة العسل . عندها ندعوه عنبا . وندوسهم بأرجلنا ونقطر عصيرها ونضعهم في براميل خشبية . فيختمورن من تلقاءهم . ونفتحها في عيد القديس يوحنا السكير ونجدهم قد أصبحوا نبيذا . إنها معجزة . وعندما تشرب هذا السائل الأحمر وينتفخ دماغك , وتشعر بأن روحك تكبر , تكبر على الهيكل العظمي القديم , وتتحدى الله للقتال , اخبرني أيها الرئيس كيف يتم كل هذا . لم اجب شعرت وأنا أصغي لزوربا بأن العالم يتكشف من جديد : كل الأيام القاسية قد عادت لها حيويتها كما كانت في بداية التاريخ عندما خرجنا من بين يدي الله . الماء , النسوة , النجوم والخبز , كلها عادت المحير والدوامة الإلهية عادت لتدور في الجو من جديد . لهذا , كنت كل مساء , أتمدد على الشاطىء بانتظار زوربا . فأراه يخرج بقوة من بطن الأرض بجسده المليء بالوحل والأقذار وخطواته الواسعة من بعيد , كنت أستطيع أن أشاهد كيف كانت نتيجة العمل اليوم , من طريقة سيره , من انتصاب رأسه عاليا أو انخفاضه ومن حركات يديه المتأرجحتان . أول الأمر كنت أرافقه لأراقب العمال , كنت أجهد نفسي في محاولة لتغيير مجرى حياتي , لأشغل نفسي في حياة عمليه , لأعرف وأحب المادية الإنسانية التي وقعت بين يدي , لأختبر واشعر بالمتعة التي انتظرتها طويلا لا مجرد كلمات اقرأها أو أكتبها بل مع رجال على قيد الحياة . ورسمت بعض الخطط الرومانتيكية , فيما لو نجح مشروع التنقيب عن الفحم . سوف انظم نوعا من المنظمات الاجتماعية حيث نشترك في كل شيء . وحيث سنأكل جميعنا نفس الطعام , ونرتدي نفس اللباس كأننا أخوة , وخلقت في رأسي أمرا دينيا جديدا , نواة لحياة جديدة . ولكني لم أكن قد قررت بعد أن أفاتح زوربا بمشروعي , لقد كان ينزعج من ذهابي ومجيئي بين صفوف العمال . اسأل وأتدخل , ودائما لصالح العمال . عندها يقلب زوربا شفتيه قائلا : - أيها الرئيس ألن تذهب في نزهة بعيدا من هنا . ألا ترى الشمس والبحر هناك ؟ في بادىء الأمر كنت أصر على البقاء وأبقى , كنت أسأل وأثرثر , أردت أن اعلم قصة حياة كل رجل . كم من الأولاد لديهم يجب أن يعيلوهم وأخوات ليزوجوهم وأقرباء ليس لهم من معين . بماذا يهمتون , والأمراض وكل ما يقلقهم . - لا تغوص هكذا في تاريخ حياتهم . أيها الرئيس , سوف تندفع نحوهم بقلبك الرقيق , وسوف تحبهم أكثر مما يجب لمصلحتك ومصلحتهم , ومهما سوف يفعلون ستخلق لهم الأعذار . عندها فلتساعدنا الآلهة , فسوف يهملون عملهم , ويقومون به بأي طريقة يريدونها , وعندها فليساعدنا الله أيضا . يجب أن تدرك هذا جيدا , عندما يكون الرئيس قاسيا عندها سيحترمونه العمال ويعملون بجد , وعندما يكون ناعما يتركون كل شيء عليه ويمضون وقتا طيبا , هل تفهم هذا ؟ في إحدى الأمسيات , بعد انتهائه من العمل , رمى بمعوله في الظل وصاح قائلا بعد أن نفذ صبره : - انظر هنا , توقف عن التدخل , بالسرعة نفسها التي ابني فيها أنت تهدم كل شيء ... والآن ما هذا الذي كنت تتحدث عنه اليوم مع الرجال ؟ اشتراكية وهراء ؟ هل أنت واعظ أو رأسمالي ؟ يجب أن تقرر ... ولكن كيف أستطيع أن اختار ؟ لقد كنت أحاول جهدي أن اجمع بين هذين الشيئين . لأجد طريقة تجمع بين هذين التناقضين و لأنجح في الحصول على كل من الحياة في الأرض وملكوت السماوات , كان هذا يتعامل داخلي منذ سنوات حتى منذ الأيام الأولى لطفولتي . عندما كنت لا أزال في المدرسة . حيث كنت قد نظمت مع اقرب أصدقائي جمعية سرية تدعى " المجتمع الودي " هذا كان الاسم الذي أطلقناه عليها . وداخل غرفة نومي المغلقة أقسمنا اليمين لنكرس حياتنا من اجل محاربة الظلم . دموع غزيرة انهمرت فوق وجوهنا عندما اقسمنا اليمين و أيدينا فوق قلوبنا مبادىء صبيانية ! ولكن يا لتعاسة من يسخر منها عندما يسمعها , ولكن عندما شاهدت ما صار إليه أعضاء هذه المنظمة , من أطباء مدعون , ومحامون غشاشون , وأصحاب محلات , سياسيون دجالون وصحفيون خونة . غاص قلبي , إن مناخ هذه الأرض قد أصبح جلف وقاس , واثمن البذور لا تنمو وتختفي تحت الأرض وبين الشوك والقراص . أستطيع أن أرى بكل وضوح اليوم , بالنسبة لنفسي , لم أصبح معقولا بعد , ولكن ليتمجد اسم الرب , اشعر بأنني لا أزال مستعدا لأقوم ببعض المغامرات الدون كيشوتية . كنا أيام الآحاد نحضر أنفسنا بكل عناية وكأننا شابين يحضران نفسيهما للزواج , ونحلق ونرتدي قمصانا بيضاء , ونتوجه بعد الظهر لرؤية السيدة هورانتس , كانت كل يوم أحد تذبح لنا طيرا , وكنا أكثر الأحيان نجلس ثلاثتنا لنأكل ونشرب , وتمتد يد زوربا إلى صدر السيدة المضياف ليمتلكه . وعندما يحل الليل نعود إلى شاطئنا . كانت الحياة تبدو بسيطة ومليئة بالنوايا الحسنة تماما كالسيدة هورانتس . وذات أحد وبينما كنا عائدين من وليمتنا الممتعة , قررت أن اخبر زوربا بمشاريعي . أصغى إلي مجبرا نفسه , وضاغطا عليها ليكون صبورا كفاية . إلا انه من وقت لأخر كان يهز رأسه الضخم بغضب ظاهر ... كلماتي الأولى جعلته يصحو من سكره ... وطردت الخمرة من رأسه . وعندما انتهيت نزع بعصبية شعرة أو شعرتين من شاربه وقال : - اعذرني لما سأقوله أيها الرئيس , و لكن لا أعتقد أن عقلك قد اكتمل بعد . كم تبلغ من العمر ؟ - خمسة وثلاثون سنة . - إذا فهو لن يكتمل أبدا . وانفجر مقهقها , وشعرت بأني لسعت . وصحت به : - ألا تؤمن بالإنسان ؟ - والآن لا تندفع غاضبا أيها الرئيس ! فأنا لا أؤمن بأي شيء , فلو كنت أؤمن بالإنسان لأمنت بالله و لكنت أمنت بالشيطان أيضا , وهذه هي كل المشكلة حيث تختلط الأشياء وتسبب لي كثيرا من التعقيد . وخيم عليه الصمت , وانتزع قبعته وحك رأسه بقوة وشد شاربه كأنه يريد أن ينتزعه من مكانه . كان يريد أن يقول شيئا , إلا أنه منع نفسه ونظر إلي من زاوية عينه , ومن ثم نظر إلي ثانية وقرر أن يتكلم . وصاح ضاربا الأرض بعصاه بقسوة : - الإنسان ليس إلا بهيمة . بهيمة كبيرة . إلا أن سعادتك لا تدرك هذا أبدا . إذ يبدو بان كل شيء كان سهلا بالنسبة لك . اسألني أنا فأجيبك بأنه بهيمة فإن كنت قاسيا معه سوف يخافك ويحترمك . وان كنت لطيفا معه فسوف ينتزع عيونك . احفظ المسافة بينك وبينهم , لا تجعل الرجال أقوياء هكذا . لا تمشي بينهم وتقول لهم بأننا كلنا متساوون . وان لنا نفس الحقوق , و إلا سوف يدوسون على حقوقك أنت . سوف يسرقون خبزك ويتركونك تموت من الجوع , احفظ مركزك أيها الرئيس من أجل الخير الذي أتمناه لك . - ولكن ألا تؤمن بشيء ؟ - كلا لا أؤمن بشيء بالمرة . كم مرة يجب أن أكرر هذا . فأنا لا أؤمن بأي شيء أو بأي شخص . بل بزوربا وحده , ليس لأن زوربا أحسن من غيره , كلا فهو بهيمة كغيره . ولكن لأن زوربا هو الوحيد الذي يقع تحت سلطتي , والوحيد الذي أعرفه . أما الباقون فكلهم أشباح , فانا أرى بهاتين العينين , واسمع بهاتين الأذنين , واهضم بهذه المعدة . كل الباقون أشباح أقول لك , عندما أموت , فسوف يموت كل شيء معي . كل العالم الزوربي سوف يغوص في الأعماق . فقلت ساخرا : - يا لها من أنانية ! . - لا أستطيع معها شيء . آكل فاصولياء فأتحدث عن الفاصولياء , أنا زوربا فأتحدث عن زوربا . لم اقل شيئا . كلمات زوربا لسعتني كالسوط . لقد أدهشتني قوته , لاحتقاره الرجال إلى هذا الحد , وبنفس الوقت رغبته في العيش والعمل معهم , أما أنا فيجب إما أن أصبح ناسكا , أو أزخرف رؤوس الرجال بريش مزيف حتى أستطيع أن أتحملهم . التفت زوربا نحوي , وتحت ضوء النجوم استطعت أن أرى ضحكة زوربا حتى أذنيه . - هل أزعجتك أيها الرئيس ؟ قال فجأة عندما وصلنا إلى الكوخ . نظر إلي زوربا بعطف وقلق , لم اجب , شعرت بأن عقلي يوافق زوربا إلا أن قلبي راح يقاوم , يريد الانطلاق والهروب من البهيمة , وليسير في طريقه الخاص . قلت : - لا اشعر بالنعاس هذه الليلة , اذهب أنت لتنام . كانت النجوم تلمع في السماء , والبحر كان يجعل الأصداف تتلألأ . ولمعت إحدى الأصداف وأضاءت تحت منارتها الصدفية , حيث كان قطر الندى يقطر من شعر الليل الداكن . تمددت على وجهي , مأخوذ بالسكون , دون أن أفكر بأي شيء , كنت وحيدا بين الليل والبحر , كان عقلي كأنه صدفة أضاءت منارتها واستقرت على ارض الشاطىء الداكنة وراحت تنتظر . كانت النجوم تسافر وتدور , والساعات تمر , وعندما نهضت , كنت قد قررت , دون أن اعلم , الخطة المزدوجة التي يجب أن اتبعها على هذا الشاطىء : أن اهرب من بوذا . واخلص نفسي من الكلمات الميتافيزيقية وأحرر نفسي من القلق الغير مجد . أن أقوم باتصالات مباشرة مع الرجال وابتدأ من هذه اللحظة . وقلت لنفسي " ربما لم يفت الأوان بعد. | |
| | | الانثى الحائره المشرفة العــامة
عدد المساهمات : 4353 تاريخ التسجيل : 09/09/2009 العمر : 39 الموقع : ***قلـــبه***
| | | | فتافيــت سكــر عضو مبدع
عدد المساهمات : 887 تاريخ التسجيل : 12/09/2009 العمر : 31
| موضوع: رد: زوربــــــا اليونــــــــــاني الأربعاء سبتمبر 23, 2009 5:33 pm | |
| شكرا على القصه
لكن بالموقع ......
في وحده سجلت بأسم فتافيت سكر
فهي مش انا بس ملاحظه وانا عقبت نفس الشي
موضوع حلو تسلمي
سلام | |
| | | الانثى الحائره المشرفة العــامة
عدد المساهمات : 4353 تاريخ التسجيل : 09/09/2009 العمر : 39 الموقع : ***قلـــبه***
| موضوع: رد: زوربــــــا اليونــــــــــاني الأربعاء سبتمبر 23, 2009 5:47 pm | |
| فتافيت سكر....شكرا على مرورك.
واذا كان هناك اي خربطه بالاسماء ارجو التوجه الى الاداره
تحياتي لك.. | |
| | | رامــــــ R$MO ــــــي عضو ذهبي
عدد المساهمات : 727 تاريخ التسجيل : 10/09/2009
| موضوع: رد: زوربــــــا اليونــــــــــاني الأربعاء سبتمبر 23, 2009 8:44 pm | |
| قصه حلوه ورائعه وكلها حكم يسلمو خيتوووووووووووووووووو | |
| | | الانثى الحائره المشرفة العــامة
عدد المساهمات : 4353 تاريخ التسجيل : 09/09/2009 العمر : 39 الموقع : ***قلـــبه***
| | | | الانثى الحائره المشرفة العــامة
عدد المساهمات : 4353 تاريخ التسجيل : 09/09/2009 العمر : 39 الموقع : ***قلـــبه***
| | | | الانثى الحائره المشرفة العــامة
عدد المساهمات : 4353 تاريخ التسجيل : 09/09/2009 العمر : 39 الموقع : ***قلـــبه***
| | | | رامــــــ R$MO ــــــي عضو ذهبي
عدد المساهمات : 727 تاريخ التسجيل : 10/09/2009
| موضوع: رد: زوربــــــا اليونــــــــــاني الخميس سبتمبر 24, 2009 7:38 pm | |
| تعبت وانا اقرا والله بس القصه حلوه يسلمو خيتو | |
| | | برنسيسة عضو رائع
عدد المساهمات : 131 تاريخ التسجيل : 10/09/2009
| | | | الانثى الحائره المشرفة العــامة
عدد المساهمات : 4353 تاريخ التسجيل : 09/09/2009 العمر : 39 الموقع : ***قلـــبه***
| موضوع: رد: زوربــــــا اليونــــــــــاني الجمعة سبتمبر 25, 2009 10:41 am | |
| رامي ،،برنسيسه....القصه طويله جدا ويوجد ايضا الكثير من الاجزاء لم اكتبها بعض....لكن ليس ضروريا ان تقرأوها مره واحده ...بامكانكم القراه كل يوم فصل او اقل حسب مزاجكم ..وستجدونها كم هي قصه رائعه...
لا تفوتوا قرأتها ..
تحياتي لكم اعزائي | |
| | | همسة ملاك مشرفة مميزة
عدد المساهمات : 5852 تاريخ التسجيل : 07/08/2009
| موضوع: رد: زوربــــــا اليونــــــــــاني الجمعة أكتوبر 02, 2009 1:15 am | |
| قصه طويله بس حلوي كثير ومأثره *******
شكرا لك على هذا الجهد وقصتك الرائعه | |
| | | المنتدى قلم مميز
عدد المساهمات : 225 تاريخ التسجيل : 17/09/2009 العمر : 38 الموقع : la7n-words.ahlamontada.net
| موضوع: رد: زوربــــــا اليونــــــــــاني الجمعة أكتوبر 02, 2009 1:34 pm | |
| | |
| | | الانثى الحائره المشرفة العــامة
عدد المساهمات : 4353 تاريخ التسجيل : 09/09/2009 العمر : 39 الموقع : ***قلـــبه***
| موضوع: رد: زوربــــــا اليونــــــــــاني السبت أكتوبر 17, 2009 3:31 pm | |
| ...
الفصل التاسع
بدأ النهار يزداد قصراً، والضوء يزداد خفوتاً، والقلوب تضطرب قلقاً كلما أقبل المساء، وبدأ يخامرنا ذلك الهلع الفطري الذي كان يستولي على أسلافنا في شهور الشتاء كلما رأوا الشمس تعجل بالغروب يوما بعد يوم، ولعلهم كانوا يقولون لأنفسهم في يأس، (غدا ستذهب الشمس إلى الأبد) ثم يقضون الليل فوق الجبال وهو يرتجفون خوفا وجزعا. وكان شعور زوربا بالقلق أعمق وأكثر بدائية من شعوري ولكي يهرب من هذا الشعور، كان يقضي في سراديب المنجم أطول وقت ممكن فلا يغادرها الا اذا تألقت النجوم في السماء. وكان قد وقع في أحد السراديب على نوع جيد من الفحم . نوع قليل من الرماد غني بالطاقة الحرارية، وسره ذلك وأثلج صدره.. فقد كان عقله يطور أرباحنا تطويراً عجيباً ويحولها إلى رحلات ونساء ومغامرات جديدة.. كان ينتظر بفروغ صبر ذلك اليوم الذي تجتمع لنا فيه ثروة ضخمة، وتصبح أجنحته – هكذا كان يسمي النقود – كبيرة.. لكي يطير ويحلق في الفضاء.. ولهذا كان يقضي الليالي بطولها في اختبار أنموذجه المصغر للسلك الهوائي، للبحث عن الانحدار المناسب لتحرك جذوع الاشجار ببطء من قمة الجبل إلى الشاطئ. وفي أحد الأيام، تناول ورقة كبيرة وبعض الأقلام الملونة.. ورسم الجبل والغابة، وجذوع الاشجار المعلقة بالسلك الهوائي وهي تنحدر، وجعل لكل جذع جناحين، ثم رسم في الخليج الصغير زوارق سوداء وبحارة يرتدون ثياباً خضراء كالببغاوات، ووضع في الزوارق كتلا صفراء من جذوع الشجر، ورسم راهبا في كل من اركان الورقة الأربعة وكتب أمام فم كل راهب بحروف سوداء كبيرة: تبارك الخالق وما خلق. ولاحظت خلال الأيام الأخيرة أن زوربا يشعل الموقد على عجل، ويعد الطعام ويتناول عشاءه بسرعةن ثم ينطلق إلى القرية، ويعود بعد فترة زائغ البصر مقطب الجبين، فاذا سألته: أين كنت يا زوربا؟ أجاب: - دعنا من ذلك. ويغير مجرى الحديث. وفي احدى الامسيات، كان المطر يهطل مدارا، ونحن أمام الموقد نتدفأ ونشوي بعض الكستناء، حين تحول زوربا إلي، وراح يجحدني بنظرة فاحصة طويلة، كما لو كان يحاول اماطة اللثام عن لغز عويص. ويبدو أن المحاولة أرهقته، لأنه ما لبث أن قال: - ليتني أعرف ماذا يحببني إليك.. لماذا لا تمسك بأذني وتلقي بي إلى الخارج؟ انني سأفسد أعمالك وأجلب عليك الدمار، فالق بي إلى الخارج وانفض يدك مني. فأجبته: - أنا أحبك، وهذا يكفي. - ولكن ألا ترى أن عقلي ليس له الوزن المناسب؟ ربما كان أثقل أو أخف وزناً مما ينبغي، ولكن ليس له الوزن المناسب، سأقول لك الان شيئا أرجو أن تفهمه، انني لم أعرف للراحة طعماً طيلة الأيام الأخيرة بسبب الأرملة.. وأرجوك ألا تسيء فهمي، فأنا لا أريدها لنفسي ولن أمسها لأنني لست من طرازها.. ولكني لا أريد أن يخسرها الجميع ولا أريد أن تنام وحدها. فذلك ليس من الصواب. انني أطوف بحديقتها كل ليلة وهذا سر رحلتي إلى القرية كل مساء فهل تعرف لماذا؟ - كي أرى ما اذا كان هناك من ينام معها، ليرتاح بالي وتطمئن نفسي. فضحكت. قال: - لا تضحك. اذا نامت امرأة وحدها فالذنب ذنبنا نحن الرجال وسوف نحاسب عليه في يوم الدينونة. وصمت لحظة ثم سأل فجأة: هل يمكن أن يعود الانسان إلى الدنيا بعد أن يموت؟ - لا أظن ذلك يا زوربا. - وذلك هو رأيي، ولكن اذا قدر للانسان أن يعود، فأكبر الظن أن أولئك الذين تخلفوا عن وظائفهم كرجال ونساء سوف يعودون إلى الدنيا على شكل بغال.. ومن يدري، فلعل جميع البغال التي نراها في هذه الدنيا هي الرجال والنساء الذين تخلوا عن واجباتهم، ولهذا نراهم دائما يرفسون.. فما رأيك في ذلك؟ فأجبت ضاحكا: - رأيي أن عقلك أقل وزنا مما يجب.. هلم إلى السانتوري يا زوربا. - معذرة يا سيدي.. أنني لن أعزف الليلة.. واذا كنت قد أسرفت في أحاديثي السخيفة فهل تعلم لماذا؟ لأنني أحمل هموم الدنيا بسبب السرداب الجديد.. وهأنتذا تتحدث عن السانتوري. وأخرج الكستناء من الموقد، وملأ القدحين بالعرق. قلت: - أسأل الله أن يرجح كفة الميزان اليمنى على كتفه اليسرى. فقال زوربا: - بل لترجح الكفة اليسرى.. ان رجحان اليمنى لم يفدنا شيئاً حتى الآن. وافرغ الشراب في جوفه وقال . - سأحتاج غدا إلى كل ذرة من قواي لأناضل آلاف الشياطين.. طاب مساؤك. وخرج زوربا إلى المنجم في اليوم التالي مع أول خيوط الفجر. وكان العمال قد شقوا السرداب الجديد فتسرب الماء من جدرانه وسقفه ووجد الرجال أنفسهم يخوضون في أوحال سوداء، فأحضر زوربا بعض جوع الأشجار لدعم جدران السرداب وسقفه. ولكنه كان قلقا، فقد أحس بغريزته التي جعلته يشعر بكل ما يصيب السرداب كما لو كان السرداب جزءا من جسده، بأن جذوع الأشجار وشرائح الخشب ليست من القوة كما ينبغي أن تكون، وسمع قرقعة خفيفة لم تسمعها اذن أخى، توحي بأن سقف السرداب يئن من ثقل ما يحمل. وثمة شيء آخر أشاع القلق في نفس زوربا في ذلك اليوم. فإنه ما كاد يهم بدخول السرداب حتى مر به قس القرية، الأب ستيفانوس، ممتطيا بغلته، وهو في طريقه إلى راهبة تحتضر، ومن حسن الحظ أن زوربا وجد متسعا من الوقت لكي يبصق على الأرض ثلاث مرات قبل أن يتحدث إليه القس. قال رداً على تحية القس: - طاب يومك أيها الأب. ثم أردف بصوت خافت: - ولتهبط لعنتك على. وظن أنه بذلك قد وقى السرداب الجديد من شر القس وحسده. وكان جو السرداب مثقلاً برائحة الفحم والاسيتيلين، وكان العمال قد بدوا فعلا في دعم السقف وتقويته بالاعمدة التي تحمله، فألقى عليهم زوربا تحية الصباح ثم شمر عن ساعديه، وبدأ العمل. وأخذ بعض العمال في تحطيم كتل الفحم، بينما شرع البعض الآخر في وضعه بالعربات تمهيدا لنقله إلى الخارج. وفجأة ، وقف زوربا عن العمل، وأمر العمال أن يحذوا حذوه وأرهف أذنيه. وكما يفني الفارس في جواده، والربان في سفينته، كذلك أصبح زوربا قطعة من المنجم، يشعر بكل تشعب فيه كما يشعر بنبض كل شريان في جسده. فبعد أن أرهف أذنيه الكبيرتين، أرسل بصره إلى جوف السرداب. وفي هذه اللحظة وصلت إلى المنجم.. فقد استيقظت فجأة وأنا متوجس، وكأن يدا خفية تدفعني، فارتديت ثيابي على عجل، وأسرعت بالخروج دون أن أعلم لماذا أسرع. أو إلى أين أذهب، ولكن قدماي حملتاني دون تردد في الطريق إلى المنجم ووصلت إليه في اللحظة التي كان فيها زوربا يصيخ السمع وينظر حوله في قلق. قال بعد لحظة: - لا شيء.. ظننت ان.. ولكن لا بأس.. إلى العمل يا رجال. ودار على عقبيه ورآني وقلب شفته.. - ماذا تفعل هنا في هذا الوقت المبكر؟ واقترب مني واستطرد قائلا في همس: - لماذا لا تذهب لتستنشق بعض الهواء النقي؟ يمكنك أن تأتي في يوم آخر. - ماذا حدث يا زوربا؟ - لا شيء، لقد تخيلت أشياء.. ولعل السبب أن أول انسان وقع عليه بصري اليوم كان قسا.. اذهب. - اذا كان هناك خطر .. أفلا يكون من العار أن أذهب؟ - نعم. - أترحل أنت؟ - كلا. - اذن؟ - ان ما يجب أن يفعله زوربا شيء.. وما ينبغي أن يفعله الآخرون شي آخر.. ولكن اذا كان من العار أن ترحل، فابق.. فهذه جنازتك. وتناول معولا، ونهض على أصابع قدميه ليدق مسمارا في السقف، بينما حملت مصباحا وخضت في الوحل لألقي نظرة على كتل الفحم اللامعة. كانت هناك غابات شاسعة ابتلعتها الأرض منذ ملايين السنين وأحالت أخشابها فحما.. ثم جاء زوربا و .. وأعدت المصباح إلى مكانه بالجدار ووقفت أرقب زوربا وهو يعمل. كان منصرفا إلى عمله.. مستغرقا فيه بكل حواسه.. فهو لا يفكر في أي شيء آخر.. وهو والأرض والمعول والفحم شي واحد، وقد اتحد مع المطرقة والمسامير في نضال ضد شرائح الخشب ليقوم السقف المنبعج.. وهو يعالج جدار الجبل ليخرج الفحم بالقوة تارة وبالحيلة تارة أخرى، ويضرب بمعوله في المواضع الضعيفة التي يمكن التغلب عليها.. ويصدر في كل ذلك عن احساس غريزي لا يخطئ أبدا. رأيته وقد اكتسى بالوحل والتراب الأسود، فلم يبق ظاهرا منه إلا بياض عينيه، وخيل إلي أنه قد لجأ إلى التمويه وتنكر في صورة كتلة من الفحم حتى يستطيع مهاجمة غريمه على غرة منه، والانقضاض عليه في عقر داره. ولم أستطع كتمان اعجابي فهتفت: - أحسنت صنعا يا زوربا.. ولكنه لم يحاول أن ينظر إلي أو يحدثني، وكيف كان يمكنه في تلك اللحظة ان يتحدث إلي عن كثب، أيؤثر القلم والورق على المعول والفأس؟ ونظرت إلى ساعتي. كانت الساعة قد بلغت العاشرة فقلت: - لقد حان وقت الراحة أيها الأصدقاء. وعلى الفور، ألقى العمال بأدواتهم إلى أحد الأركان. وجففوا العرق المتصبب على جباههم، وتأهبوا لمغادرة السرداب. وكان زوربا لا يزال مستغرقا في العمل فلم يسمعني.. ولو سمعني لما تحرك قيد أنملة. وفجأة، أرهف زوربا أذنيه مرة أخرى، وظهرت على وجهه دلائل القلق. فقلت أحدث العمال: صبرا لحظة.. ريثما أقدم لكم بعض السجائر. فدار العمال بي، بينما أخذت أبحث في جيوبي عن علبة السجائر. وفي هذه اللحظة، كف زوربا عن عمله وألصق أذنه بجدار السرداب، ورأيته على ضوء المصباح يفغر فاه دهشة.. فصحت به: - ماذا هنالك يا زوربا. وقبل أن يجيب، حدثت فرقعة فوق رؤوسنا فصاح زوربا بصوت أجش: - اخرجوا جميعا.. اخرجوا. فانطلقنا نعدو نحو فوهة السرداب، وما كدنا نتجاوز السقالة الاولى حتى دوت فرقعة أخرى فوق رؤوسنا. وكان زوربا قد حمل جذع شجرة ضخم، وراح يحاول أن يسند به السقف المتداعي، ولو نجح لاتاح لنا بضع ثوان قد نتمكن فيها من الفرار. وصاح زوربا مرة اخرى: - اخرجوا. ولكن صوته في هذه المرة كان خافتا مختنقا كأنه صادر من بطن الارض. وبالجبن الذي يصيب الناس عادة في لحظات الخطر. اندفعنا جميعا نحو فوهة السرداب، وقد نسينا زوربا تماما. ولكني توقفت بعد بضع ثوان، وعدت ادراجي إلى السرداب وأخذت اصيح: - زوربا.. زوربا. توهمت أنني أصيح، ثم أدركت أن الخوف قد خنقني، وأن صوتي لم يغادر حنجرتي وأحسست بالخجل، فوثبت نحو زوربا ومددت له يدي. وكان قد فرغ لتوه من دعم السقف وبدأ يعدو في الظلام طلبا للنجاة فاصطدم بي، وأحاط كل منا صاحبه بساعديه. وصاح زوربا: - يجب أن نخرج.. اخرج.. وانطلقنا نعدو بأقصى سرعة حتى وصلنا إلى الفوهة. وكان العمال قد اجتمعوا عندها والرعب يملأ نفوسهم. وما أن رأينا ضوء النهار، حتى سمعنا فرقعة ثالثة، أشبه بصوت شجرة تنكسر في العاصفة. اعقبها دوي كقصف الرعد هز المنطقة كلها.. وانهار السرداب. وهتف بعض الرجال وهم يرسمون علامة الصليب على صدورهم: - يا الهي. بينما صاح زوربا في غضب: - أرى أنكم تركتم معاولكم هناك. فصمت الرجال، وصاح زوربا ثانية: - لماذا لم تأخذوا الأدوات معكم؟ فقلت له: - ليس هذا وقت البكاء على الأدوات يا زوربا، دعنا نحمد الله على أن الرجال نجوا بأنفسهم.. شكرا لك يا زوربا اننا جميعا ندين بحياتنا لك. فقال زوربا: - ان ما حدث جعلني أشعر بالجوع. وتناول حقيبة، وكان قد تركها فوق صخرة بالقرب من المنجم ففتحها، وأخرج منها خبزا وزيتونا وبصلا، وقليلا من النبيذ. وقال وفمه مملوء بالطعام: - هلموا يا رجال.. دعونا نأكل. وراح يأكل بنهم، دون أن ينطق بكلمة، ثم رفع اناء النبيذ إلى فمه، وشرب كل ما به. وأفرغ روع العمال، واستردوا شجاعتهم ورباطة جأشهم، فحملوا طعامهم وجلسوا على الأرض حول زوربان وراحوا يأكلون دون أن يحولوا ابصارهم عنه. كان بودهم أن يلقوا بأنفسهم على قدميه.. وان يقبلوا يديه.. ولكنه عرف بينهم بالشدة وغرابة الأطوار فلم يجرؤ أحدهم على الدنو منه. وأخيرا جميع ميشيل – أكبر العمال سنا – أطراف شجاعته وقال محدثا زوربا: - لولاك لأصبح أولادنا الآن أيتاماً أيها السيد اليكسيس. فقال زوربا والطعام في فمه: - صه. ولم يجرؤ أحد بعد ذلك على الكلام.
عدل سابقا من قبل الانثى الحائره في السبت أكتوبر 17, 2009 3:38 pm عدل 1 مرات | |
| | | الانثى الحائره المشرفة العــامة
عدد المساهمات : 4353 تاريخ التسجيل : 09/09/2009 العمر : 39 الموقع : ***قلـــبه***
| موضوع: رد: زوربــــــا اليونــــــــــاني السبت أكتوبر 17, 2009 3:32 pm | |
| ...
الفصل العاشر
من اذن خلق هذه المتاهة، هذا الصرح الذي يمثل الغطرسة والقحة، هذا الحقل الذي ينبت آلاف الخدع، هذا الباب الذي يؤدي إلى الجحيم، هذه السلة الملية بالدهاء، هذا السم الذي له مذاق العسل، هذه الأصفاد التي تغل البشر بالأرض المرأة. وفي بطء وصمت، أخذت أسجل هذه الأغنية البوذية وأنا جالس على الأرض أمام الموقد. كانت هذه الأغنية وأمثالها هي بعض التعاويذ التي حاولت بها أن أطرد من ذهني صورة مغرية لامرأة مثيرة، قد بلل ماء المطر ثوبها فألصقه بجسدها وأبرز مفاتنها... امرأة ظلت تلح على خيالي وتتهادي أمام عيني جيئة وذهابا ليلة بعد ليلة، طيلة الشتاء. والواقع، انني منذ حادث انهيار السرداب الذي كاد يودي بحياتي، كنت أشعر بالارملة في دمي، وكانت تدعوني كما تفعل اناث الحيوان وتقول لي في الحاح وعتاب: - تعال.. تعال.. ان الحياة تمر كومضة البرق. فتعال قبل فوات الاوان.. كانت تملأ الجو حولي في وحدتي، وتمر أمامي بلا انقطاع ، لتغريني بمفاتن جسدها، وكنت أقاوم الاغراء في النهار بقوة ارادتي ويقظة عقلي، ولكن ما أن يقبل الليل حتى تنهار ارادتي، ويلقي عقلي سلاحه، وتفتح الابواب.. وتدخل الارملة. وهكذا كنت أستيقظ كل صباح خائر القوى مغلوبا على أمري، لكي أبدأ النضال من جديد.. وكنت أقول لنفسي: انني لست وحدي، فهناك قوة أخرى تخوض المعركة معي.. هي ضوء النهار.. هذا الضوء ينتصر تارة ويهزمه ظلام الليل تارة أخرى.. ولكنه لا ييأس.. وأنا أناضل وآمل مع ضوء النهار. ولا بد أن يكون زوربا قد لاحظ بذكائه الفطري أي شيطان كنت أناضل، فقد قال لي في ليلة عيد الميلاد: - فيم تفكر؟ انك على غير ما عهدتك. فتظاهرت بأنني لم أسمعه ولكنه لم يكن الرجل الذي يتراجع بسهولة. قال: - انك لا تزال في مقتبل العمر.. ثم أردف في غضب ومرارة: - انك شاب قوي البأس تأكل جيدا وتشرب جيدان وتستنشق هواء نقيا، وتختزن قوة هائلة فماذا تصنع بها؟ انك تنام وحدك كل ليلة، وهذا ضار بمن كان مثلك.. فاذهب إليها الليلة ولا تضيع الوقت، كل شيء في هذه الدنيا بسيط، فلا تعقد الأمور.. فأخذت اصغي إليه، وأقلب صفحات كتابي عن بوذا وأصفر بفمي لاخفي مشاعري. ولاحظ زوربا أني لا أريد الاجابة فصاح: - الليلة يا صديقي هي ليلة عيد الميلاد، فأسرع إليها قبل أن تغادر بيتها إلى الكنيسة. فقلت له في ضجر: - كفى يا زوربا.. ان لكل انسان ميوله الخاصة.. والانسان كالشجرة. فهل تشاجرت مع شجرة يوما ما لانها لا تثمر؟ بحسبنا هذا الآن.. لقد كاد الليل ان ينتصف فهلم بنا إلى الكنيسة. فقال زوربا في يأس وهو يضع قبعته على رأسه: - حسنا اذن، هلم بنا إلى الكنيسة.. كانت السماء صافية تماما والنجوم تبدو كبيرة متدلية من السماء ككرات من نار بينما بدا الليل كوحش أسود كبير يجثم على طول الشاطئ. وازدحمت الكنيسة الدافئة بالقرويين ، فوقف الرجال في المقدمة أمام النساء، وعقد الجميع أيديهم فوق صدورهم.. بينما أخذ الأب ستيفانوس بقامته الطويلة، وثوبه الموشى بالذهب، ووجهه الشاحب بعد صيام أربعين يوما. يروح ويغدو بخطى واسعة، ويترنم بأعلى صوته، وبسرعة ، لكي يعود على عجل إلى بيته، حيث تنتظره مائدة مثقلة بالحساء والشواء وسائر الاطعمة الشهية.. ولو لم تقل الكتب المقدسة ان النور ولد في مثل هذه الليلة لما نشأت الاسطورة وملأت الدنيا.. ولمر الحادث كأية ظاهرة طبيعية عادية، دون أن يلهب الاخيلة.. ولكن النور الذي ولد في صميم الشتاء أصبح طفلا، والطفل أصبح الها دانت له النفوس والارواح عشرين قرنا. وغادرنا الكنيسة إلى فندق مدام هورتنس، حيث كانت في انتظارنا مائدة حافلة بالطعام والشراب. وكانت الغانية العجوز ترتدي غلالة طويلة ذات لون باهت وقد عقدت شعرها خلف رأسها، وأحاطت عنقها المجعد بشريط من الحرير الأصفر، وضمخت جسدها في سخاء بعطر زهور البرتقال. وأجال زوربا البصر حوله ثم همس في اذني قائلا: - لكن الظن أن العجوز لن تطلق سراحي الليلة.. وكان الوقت فجرا عندما غادرتهما في المخدع الصغير الدافئ، وسرت في طريقي إلى الكوخ. كنت سعيدا ، وقلت لنفسي هذه هي السعادة الحقيقة ان يعيش الانسان بلا مطامع ويعمل ويكد كأن له ألف مطمع وان يحب الناس ويعمل لخيرهم دون أن يكون في حاجة اليهم وان يأكل ويشرب ويشترك في أعياد الميلاد دون أن يتورط في المتاعب او يقع في الفخاخ.. وان يسير على الشاطئ والنجوم فوقه، والبحر إلى يمينه والأرض إلى يساره وأن يشعر بأن الحياة قد انجزت معجزتها الكبرى فصارت قصة من وحي الخيال. ومرت الأيام، وحاولت أن اصطنع المرح، رغم الحزن الذي كنت أشعر به في قرارة نفسي.. فقد أزال أسبوع الاعياد الغابر عني كثير من الذكريات. ذكريات عن موسيقى بعيدة، وأناس أحببتهم.. وراعني صدق العبارة القديمة التي تقول : ان قلب الانسان حفرة مليئة بالدم، واولئك الاحباب الذين ماتوا يلقون بأنفسهم على حافة الحفرة وينهلون من الدم، وهكذا يعودون إلى الحياة وكلما كان حبكم لهم عظيما زادت الكمية التي ينتهلونها من دمك. وفي صباح اول يوم من العام الجديد. فتحت عيني على زوربا وهو يدق رمانة بباب الكوخ.. وانشقت الرمانة وتناثرت بذورها كحبات الياقوت الصافي الاديم، وسقط بعضها على الفراش.. فتناولت بضع حبات وأكلتها وشعرت بانتعاش. قال زوربا: عام سعيد يا صديقي.. ارجو أن يزخر بالمال والنساء ثم اغتسل وارتدى ثيابه ومعطفه الروسي وفتل شاربيه. - سأذهب الان إلى الكنيسة بصفتي ممثلا للشركة التي تستغل المنجم ، فليس من مصلحة العمل ان يظن القرويون اننا من المفكرين الاحرار.. ان ذلك لن يكلفني شيئا، فضلا عن انه وسيلة لقضاء الوقت. ثم انحنى فوقي وقال وهو يغمز بعينه: - ومن يدري.. فربما اجد الارملة هناك. وسمعت وقع خطاه وهو يبتعد، وعاودني الاحساس بالوحدة، فنهضت وارتديت ثيابي، وخرجت الى الشاطئ. وكان الجو صافيا، والهوا باردا فسرت في الطريق إلى الشاطئ وأنا أسائل نفسي: ترى من سيكون اول انسان التقي به في هذا اليوم الاول من العام الجديد؟ آمل أن يكون طفلا يحمل بين يديه كومة من الهدايا، أو شيخا أشيب الشعر، يرتدي قميصه الابيض المزركش، ويمشي في كبر وخيلاء لأنه أدى واجبه في الحياة بشجاعة. وفجأة أحسست بيداي ترتجفان.. فقد رايت الارملة بخصرها النحيل وجسمها المثير، ومرتدية ثوبا أحمر، وعلى رأسها منديل أسودن وهي تسير بخطى نشيطة في الطريق إلى القرية. كانت تنساب ف رشاقة الفهد الاسود. ووددت لو أستطيع الفرار.. أحسست بأن هذا الوحش لن يعرف الرحمة اذا غضب ، وأن أفضل وسيلة لاتقاء خطره.. هي الفرار.. ولكن كيف؟ كانت الارملة تقترب بسرعة، والحصى يصطك تحت قدميها كما لو كان جيشا برمته يسير فوقه. وأبصرت بي وهزت رأسها – فانزلق المنديل وظهر شعرها اسود لامعا كخافية الغراب. وألقت إلي نظرة مغرية وابتسمت.. وكانت في عينيها عذوبة غير مألوفة. وبسرعة اعادت وضع منديلها على رأسها وكأنما اخجلها ان أرى سرا من أخص أسرار المرأة، وهو شعرها.. وأردت ان اتحدث اليها، واتمنى لها عاما سعيدا، ولكن الكلمات احتبست في حلقي كما احتبست يوم انهار السرداب وكانت حياتي في خطر. وعبث النسيم باعواد النبات التي تحيط بحديقتها، وسقطت أشعة الشمس على ثمار الليمون والبرتقال. وازدهرت الحديقة أمام عيني حتى بدت كقطعة من الجنة. وتوقفت الارملة عن السير ومدت يدها، وفتحت باب الحديقة ومررت بها في هذه اللحظة فانثنت ونظرت إلي. وتركت الباب مفتوحا، وسارت بين أشجار البرتقال، وهي تهز ردفيها. أي رجل في مثل هذا الموقف، كانت يجب ان يغلق الباب، ويلحق بها. أو أن هذا ما كان يفعله جدي.. وما أرجوه أن يفعله حفيدي. أما أنا فقد جمدت في مكاني لازن الامور وافكر. ثم ابتسمت بمرارة وتمتمت قائلا: - قد اتصرف خيرا من ذلك اذا قدر لي ان أعيش في عالم آخر. وأحسست بالبرد، ومرت بجسدي رعدة. وعبثا حاولت أن أطرد الارملة من مخيلتي، وأن أنسى حركة ردفيها، وابتسامتها وعينيها وصدرها. كلها ظلت ماثلة أمامي حتى شعرت بأنني اختنق. ولم تكن الاشجار قد اورقت بعد، ولكن أغصانها كانت تنبض بماء الحياة، حتى لتحس بأن وراء كل نتوء ورقة. كانت معجزة الربيع الكبرى تتحفز سرا في صمت، ليلا ونهار، وفي وسط الربيع.. لكي تفجر الزهور والثمار من الخشب الجاف. وتركت الطريق وجلست تحت احدى الاشجار. ولم أفكر في شيء وأحسست بالسعادة كما لو كنت أجلس تحت شجرة في الجنة.. إلى أن سمعت صوتا يقول فجأة: - ماذا تفعل هنا يا سيدي. انني بحثت عنك في كل مكان وقد انتصف النهار او كاد.. ألم تشعر بالجوع؟ أم لعلك نسيت الخروف الصغير الذي ينتظر في الفرن؟؟ ان رائحة الشواء تثير لعابي! فهلم بنا. كانت حاجات الرجل الاساسية، الطعام والشراب والنساء والرقص، لا تبارح ذهنه ابدا. وكان يلوح في يده بحزمة ملفوفة بالورق الأحمر ومحزومة بخيط ذهبي فسألته وأنا أبتسم: - أهذه هدية السنة الجديدة؟ فضحك ليخفي تأثره، وأجاب: - أنا اردت ألا أدع للمرأة المسكينة سبيلا للشكوى.. وحتى تذكر عصرها الذهبي الذي مضى. أليست امرأة، أليس من شيم المرأة البكاء على مصيرها.. - هلم بنا.. وعندما دنونا من القرية، اقترب زوربا مني وقال بصوت خافت: - لقد رأيتها في الكنيسة يا سيدي. كنت واقفا في الصف الأول عندما اضاءت الايقونات فجأة، وتألق النور في كل مكان فقلت لنفسي، ماذا حدث؟ هل دخلت الشمس الكنيسة؟ ونظرت حولي، واذا بي أرى الارملة. فقلت وأنا أوسع الخطى. - بحسبك هذا يا زوربا.. وكفى. ولكنه أسرع ورائي ومضى يقول: - لقد رأيتها عن كثب.. ورأيت الخال على خدها ، فطار لبي. وهذا الخال يا سيدي !! انه كذلك لغز من الالغاز العويصة. تكون البشرة لينة وناعمة، ثم فجأة تظهر بها نقطة سوداء، تصبح خالا يذهب بصوابك.. ماذا تقول الكتب في ذلك يا سيدي؟ - لتذهب الكتب إلى الشيطان. فضحك زوربا وصاح: - هذا كلام جميل.. الآن بدأت تفهم. وكانت مدام هوريتش قد فرغت من طهو الحمل ووقفت بالباب تنتظرنا. كانت كالعهد بها، تحيط عنقها بذلك الشريط الاصفر المقيت، وتضع ، على وجهها وشفتيها اكداسا من المساحيق والدهون، وتحرص بذلك على ان تجعل من نفسها شيئا يثير الاشمئزاز.. وأبصرت المرأة بنا فبدا السرور على جسمها كله ورقصت عيناها في محجريهما واستقرتا على شارب زوربا. وأغلق زوربا الباب، واحتوى الغانية العجوز بين ساعديه وهو يصيح: - عام سعيد يا بوبولينا.. انظري ماذا أحضرت لك!! وما ان أطلقها زوربا حتى اختطفت الحزمة وفضتها وافلتت من فمها صيحة فرح. فانحنيت الى الامام لارى الهدية. كانت عبارة عن قطعة سميكة من الورق الكرتون.. رسم عليها زوربا بالالوان اربع بوارج ضخمة ترفرف عليها الاعلام. وفوق الامواج، بين البوارج الاربع، صورة امرأة يتطاير شعرها في الهواء.. والمرأة تشبه مدام هورتنس بكل قسمات وجهها وجسمها، وبالشريط الاصفر الذي يحيط عنقها، وقد امسكت بزمام اربعة خيوط ثبتت اطرافها باربع بوارج ترفرف عليها الاعلام الانجليزية والروسية والفرنسية والايطالية، بينما برزت في أربعة اركان اللوحة اربع لحى، سوداء وشقراء وحمراء وشهباء. وفهمت الغانية معنى الصورة على الفور وصاحت وهي تشير باصبعها إلى المرأة في اللوحة: - هأنذا. وتنهدت، وقالت في شيء من الخيلاء: - لقد كنت في وقت ما قوة عظمى. ورفعت مرآة صغيرة كانت مثبتة بالجدار على مقربة من قفص الببغاء، ووضعت اللوحة مكانها. وكان زوربا قد تسلل إلى المطبخ. فجاء بالحمل المشوي وزجاجة نبيذ، وملأ الأقداح ثم صفق بيديه وصاح: - إلى الطعام. ثم التفت إلى الغانية واستطرد: - المعدة أولا، وبعد ذلك نهتم بما عداها. ولكن الغانية العجوز عكرت الجو بتنهداتها. كانت بداية كل عام جديد بمثابة يوم الدينونة بالنسبة اليها.. وكلما انصرم عام، نظرت وراءها، واستعرضت ماضيها، وبعثت من قيود ذاكرتها.. ذكريات مدن كبرى، وملابس حريرية، وزجاجات شمبانيا.. وذكريات مدن كبرى، وملابس حريرية، وزجاجات شمبانيا، ولحى معطرة. غمغمت قائلة: - لا رغبة لي في الطعام. ونهضت الى الموقد فركعت امامه. وراحت تحرك النار بينما جلس زوربا مترددا بين المضي في تناول الطعام الشهي دون ان يعبأ بها، أو مواساتها بكلمة طيبة ترد عليها بهجتها وقابليتها للطعام. واتخذ قراره آخر الأمر فحثا بجانبها وقال يلاطفها : - اذا لم تأكلي يا ساحرتي الصغيرة انتهى كل شيء.. فرحمة بالحمل الوديع، والتهمي هذه القطعة منه. ودس في فمها قطعة من اللحم، ثم أحاطها بساعديه وانهضها وأجلسها بيننا. ومسحت المرأة عينيها الحمراوين بظاهر يدها وأقبلت على الطعام. وقال زوربا وهو يرفع قدحه: - نخب صحتك يا بوبولينا.. اسأل الله أن يهبك في هذه السنة بعض الأسنان الجديدة.. وأن يملأ حاجبيك بالشعر الكثيف، وان يهديك إلى التخلص من هذا الشريط المزعج الذي تحيطين به عنقك، وأن تقوم في كريت ثورة جديدة حتى تعود اليك بوارجك الاربع، ومع كل بارجة اميرال بلحية معطرة، وان تسبحي فوق قمم الامواج مرة أخرى ويرتفع صوتك العذب.. وان تتحطم البوارج على هاتين الصخرتين البارزتين. قال ذلك ومد يده الضخمة إلى صدرها المترهل، فتنهدت المرأة وقالت: - هل يمكن ان يحدث ذلك يا زوربا، ان الشباب اذا ذهب لا يعود.. - اصغ إلي يا صغيرتي، لأحدثك عن الهدية التي سأقدمها اليك.. لقد ظهر طبيب جديد يقوم ببعض المعجزات.. انه يعطيك جرعة من دواء فتعودين إلى سن العشرين، او الخامسة والعشرين على أسوأ تقدير.. لا تبك ايتها العزيزة، فقد ارسلت إلى أوروبا في طلب هذا الدواء. فبهتت الغانية، وأحاطت عنق زوربا بساعدها، وقالت وهي تحتك به كما تفعل الهرة. - شكرا لك ألف شكر.. اذا كان الدواء سائلا فاطلب ملء زجاجة كبيرة، واذا كان مسحوقا.. - واذا كان مسحوقا فسأطلب ملء زكيبة. وجلست الغانية على ركبتي زوربا والقت برأسها على كتفه وتنهدت. كانت قد أسرفت في الشراب وثملت. وسألها زوربا: - فيم تفكرين يا بوبولينتي المحبوبة؟ - في الاسكندرية وبيروت والقسطنطينية.. في الاتراك والشوارب الطويلة والطرابيش الحمراء. وتنهدت مرة أخرى، وازالت الغبار عن ذكرياتها.. قالت: - عندما كان علي بك يقضي سهرة عندي، كان الموسيقيون يعزفون في فناء البيت وكان علي بك يلقي اليهم حفنات من النقود ليعزفوا حتى الفجر.. وكان جيراني يسمعون الموسيقى ويتميزون غيظا ويقولون في حسد: أن علي بك عندها. وفي القسطنطينية، لم يكن سليمان باشا يسمح لي بمغادرة بيته في أيام الجمعة، خوفا من ان يراني السلطان وهو في طريقه الى في أيام الجمعة، خوفا من ان يراني السلطان وهو في طريقه الى المسجد فيبهره جمالي ويختطفني.. وكان كلما خرج إلى عمله في الصباح، أمر ثلاثة من الاغواث بملازمة بابي، ليمنعوا أي رجل من دخول غرفتي.. آه .. تلك الأيام .. ما كان أجملها !! وتضايق زوربا وتخلص من المرأة بأن أجلسها على مقعد بجواره، وكانت هناك قطتان تموءان وتتشاجران في الخارج فتناول زوربا عصاه وانطلق إلى الخارج، فصحت به ضاحكا: - من ستضرب بعصاك يا زوربا: سليمان باشا؟ - بل سأضرب القطتين اللعينتين اللتين لا تتركانا في سلام. وعندما جاء زوربا كانت مدام هورتنس تغط في نومها وتحلم بالشرق والشوارب والبوارج فنظر اليها زوربا باحتقار وقال: - لقد نامت الفاجرة. - اظن ذلك يا زوربا باشا.. ولعلها تحلم الآن بانها قد تناولت العقار الجديد.. وعادت إلى سن العشرين. قبحها الله من بقرة قذرة!! انظر إليها كيف تبتسم في نومها!! هلم بنا. وخرجنا إلى الهواء البارد وإلى القمر المضيء.. وساد الصمت بيننا بضع لحظات إلى أن قال زوربا: - رحم الله جدي.. قال لي، احذر المرأة فانها شيطان، واذا لمستها فقد لمست الشيطان.. لقد سرقت تفاحتين من جنات عدن وأخفتهما في صدرها، وهي الان تختال بهما، ومن أكل منهما فقد هلك. ومررنا بحديقة الارملة، فتوقف زوربا عن السير.. وكانت الخمر والطعام الجيد ونور القمر كلها قد لعبت برأسه، فاشرأب بعنقه نحو الحديقة وقال بصوت أجش: - وهنا شيطان آخر. وكان الفجر قد بزغ عندما وصلنا إلى الكوخ، فاستلقيت على فراشي وانا متعب منهوك القوى، اما زوربا فقد اغتسل واشعل الموقد وصنع بعض القهوة ثم جلس على الأرض بجوار الباب وراح يدخن في هدوء. وينظر إلى البحر دون أن يأتي بحركة. وتاملته وهو جالس في ضوء القمر كأنه صنم، واعجبت بالمرونة والبساطة اللتين يتأقلم بهما، وبالطريقة التي يتواءم بها جسده وروحه مع كل شيء آخر من نساء وخبز وماء ولحم، ليتكون من الجميع شيء اسمه زوربا. والواقع ، انني لم ار قط مثل هذا التحالف الودي بين انسان والعالم الذي يحيط به. ومال قرص القمر وشحب لونه، وهدأ البحر وسكنت امواجه ، والقى زوربا لفافة التبغ، وتناول قفصا واخرج منه حبلا وقطعا صغيرة من الخشب، ثم أشعل المصباح الزيتي وراح يقوم بتجاربه على انموذج مصغر للسلك الهوائي. ومن الواضح انه كان يقوم بعمليات حسابية معقدة لأنه كان يحك رأسه حينا ويسب ويشتم حينا آخر. وفجأة ضاق ذرعا بالعملية كلها، فركل الانموذج وارسل اجزاءه تتطاير في الهواء.
عدل سابقا من قبل الانثى الحائره في السبت أكتوبر 17, 2009 3:40 pm عدل 1 مرات | |
| | | الانثى الحائره المشرفة العــامة
عدد المساهمات : 4353 تاريخ التسجيل : 09/09/2009 العمر : 39 الموقع : ***قلـــبه***
| موضوع: رد: زوربــــــا اليونــــــــــاني السبت أكتوبر 17, 2009 3:33 pm | |
| ... الفصل الحادي عشر
وغلبني النعاس فنمت، وعندما استيقظت في الصباح كان زوربا قد انصرف وكان البرد شديدا، ولم تكن بي رغبة إلى مغادرة الفراش فقررت أن أقضي وقتي مع الكتب. ولم يعد زوربا إلا في المساء، وكان مشرق الوجه، وخيل إلي أنه وجد حلا لاحدى المشكلات.. فانتظرت لاعرف ما عنده.. وكنت قد بدأت أضيق به، ومنذ بضعة أيام دعوته إلي وقلت له في غضب: - لقد فرغت نقودنا يا زوربا أو كادت، فإذا كان هناك ما يمكن عمله، فعجل به. انشئ ذلك السلك الهوائي، فاذا فشلنا في المنجم، أمكننا أن نفيد من الخشب. إنما يجب أن تعجل والا أفلسنا. فحك رأسه وقال: - تقول ان نقودنا فرغت؟ هذا لن يؤسف له. - نعم يا زوربا لقد ابتلع المنجم بعضها، وأكلنا البعض الآخر، فافعل شياً، كيف انتهت تجاربك؟ ألم توفق بعد؟. فأطرق برأسه ولم يجب، وبدا علي الخجل، وما لبث أن صاح في غضب: - ذلك المنحدر اللعين!! سوف أظفر به مهما كلفني الأمر. وها هو قد أقبل الآن بوجه مشرق، وعلى شفتيه ابتسامة عريضة.. صاح: - لقد نجحت ونجحت في معرفة الزاوية الصحيحة التي حيرتني كل هذا الوقت. - اذن فعجل بالعمل يا زوربا لماذا تنتظر؟ - يجب أن أذهب إلى المدينة غدا صباحا لشراء أسلاك الصلب والطنابير والمسامير والادوات الضرورية وسأعود على وجه السرعة. وأشعل الموقد بعد ذلك وأعد طعاما وأكلنا بشهية جيدة. وفي صباح اليوم التالي، رافقت زوربا إلى القرية ودار بيننا في الطريق حديث جرى عن العمل في المنجم. وفيما كنا نهبط منحدرا، ضرب زوربا بقدمه حجرا، فتدحرج الحجر في المنحدر، ووقف زوربا مبهوتا، وكأنه يرى هذا المنظر لأول مرة في حياته والتفت إلي وقال: - هل رأيت؟ ان الحياة تعود إلى الحجارة في المنحدرات.. فلم أجبه، ولكني شعرت بسرور وبهجة، وقلت لنفسي: - هكذا ينظر كبار الشعراء والمفكرين إلى الأشياء كأنهم يرونها لأول مرة.. والواقع أنهم لا يرونه وإنما يخلقونه. وقد كانت الدنيا في نظر زوربا كما كانت في نظر الانسان الأول، مجرد مشهد كبير رائع، فالنجوم تتألق فوق رأسه، وأمواج البحر تنكسر تحت قدميه، وهو يعيش مع الأرض والماء والحيوان والله.. دون أن يفسد عليه التفكير العقيم متعة الحياة. وعلمت مدام هورتنس بامر سفر زوربا، ووجدناها في انتظارنا بباب بيتها، وكذلك كان البغل الذي سيمتطيه زوربا في رحلته. ووثب زوربا إلى ظهر البغل وأمسك بقيادة، واقتربت الغانية العجوز في حياء ووضعت يدها على صدر البغل، وكأنها تريد أن تمنع صاحبها من الرحيل. ووقفت المرأة على أصابع قدميها وهمست: - زوربا.. زوربا. ولكن زوربا أشاح عنها بوجهه. كان يكره سماع سخف العشاق على قارعة الطريق. ورأت المرأة النظرة الرهيبة التي ارتسمت في عينيه، فذعرت.. ولكنها ظلت ممسكة بصدر البغل، وعيناها تتطلعان إلى زوربا في ضراعة. وصاح زوربا في غضب: - ماذا تريدين؟ فقالت متوسلة: - زوربا.. لا تنسني يا زوربا. وكن كريما. فهز عنان البغل ولم يجب.. وانطلق به البغل فصحت: - أرجو لك التوفيق يا زوربا. عد بعد ثلاثة أيام لا أكثر.. هل سمعتني؟ فتحول إلى الوراء ولوح لنا بيده، فبكت المرأة، ورسمت الدموع خطوطا وسط المساحيق والأصباغ التي تغطي وجهها. وبعد لحظات، توارى زوربا بين أشجار الزيتون، فنظرت مدام هورتنس حولها كمن ينظر إلى فراغ. لقد اقفرت دنياها بعد رحيل زوربا. ولم أعد إلى الشاطئ فقد كنت أشعر بحزن ووحشة وانما سرت في الطريق إلى الجبل. وقبل أن أخطو بضع خطوات، سمعت دقات الطبلة التي يعلن بها موزع البريد وصوله إلى القرية.. ورأيت الرجل يلوح لي بيده، فقابلته في منتصف الطريق، وأعطاني حزمة من الصحف والمجلات ورسالتين، وعلى الفور أودعت احدى الرسالتين جيبي لأقرأها في هدأة الليل، فقد كنت أعرف كاتبها، وأردت أن يطول شوقي إلى مضمونها قبل أن أفضها. وكذلك عرفت صاحب الرسالة الثانية من خطه على غلافها، ومن طابع البريد العجيب الذي تحمله. كان من زملائي القدامى في المدرسة، ويدعى كرايانيس وكان يقيم في ذلك الوقت في بلد جبلي بالقرب من (طنجانيقا). وقد عرفته شابا أسود البشرة عصبي المزاج، يصيح أكثر مما يتكلم ، ويتشاجر أكثر مما يناقش. كان أستاذاً في علم اللاهوت وراهبا، وقد فوجئ ذات يوم وهو يقبل احدى تلميذاته في أحد الحقول، فخلع مسوح الرهبنة ورحل في اليوم التالي إلى افريقيا حيث أنشأ مصنعا للحبال، وجمع ثروة طائلة. وكان يكتب إلي بين وقت وآخر، ليدعوني إلى قضاء بضعة شهور معه في افريقيا. جلست فوق حجر على جانب الطريق، وفضضت الرسالة، وقرأت فيها ما يلي: " متى ستحزم أمرك وتأتي لزيارتك أيها الرجل الذي استعبدته جبال اليونان وشواطئها؟ أكبر الظن أنك أصبحت من عشاق الحانات والمقاهي كسائر المواطنين اليونانيين!! " هذا يوم الأحد ، ولا عمل عندي، وأنا أكتب إليك من ضيعتي والشمس كالاتون، والامطار لم تهطل منذ بضعة شهور، ولكنها عندما تهطل في ابريل ومايو ويونية، تصبح كالطوفان. يوجد هنا كثير من اليونانيين، انهم في كل مكان كالحشرات، ولكني لا أختلط بهم فهم يثيرون اشمئزازي وقد جلبوا معهم الجذام والقمار والجهل وسائر الخطايا. انني أكره الاوروبيين، ولذلك لجأت إلى هذه الجبال، ولكني أكره اليونانيين أكثر من أي شعب آخر، ولن أعود إلى اليونان ما حييت وقد شيدت قبري هنا أمام بيتي ونقشت عليه هذه الكلمات بحروف كبيرة (هنا يرقد يوناني يكره اليونانيين). أنا لا أعرف ملهاة غير العمل فأنا أكد وأكدح وأناضل الأرض والريح والمطر والعمال وانفق أموالي كما أريد، لأنني أستعبد المال والمال لا يستعبدني، ولكني عبد للعمل وأفخر بذلك، انني أشتغل بتجارة الأخشاب، وقد أنشأت مصنعا للحبال وسأشرع في زراعة القطن. متى ستأتين ، لنتسلق معا هذه الجبال النقية العذراء؟ لقد رزقت بابنة من امرأة سوداء ولكن الأم أهدرت شرفي في وضح النهار وتحت كل شجرة في المنطقة فطردتها. والطفلة الآن في الثانية من عمرها وقد علمتها من اللغة اليونانية القدر الذي يساعدها على سب اليونان وأهلها. وهي تشبهني ولكن أنفها مفرطح كأنف أمها، وأنا أحبها كما تحب كلبا أو قطا. تعال وتزوج من امرأة زنجية لترزق منها ولدا نزوجه من ابنتي.. لمجرد اللهو.. وتملكتني رغبة في الرحيل إلى افريقيا لا لأنني أفتقد السعادة والجدية في كريت، وانما لأنني كنت أصبو دائما إلى زيارة أكبر عدد من بلاد العالم قبل أن أموت. وعدلت عن تسلق الجبل، وسرت في طريقي إلى الكوخ لكي أنعم بقراءة الرسالة الثانية. وهناك أشعلت نارا وأعددت قدحا من الشاي وتناولت بعض الخبز والعسل ثم خلعت ثيابي وتمددت على فراشي وفضضت الرسالة وقرأت فيها ما يلي: استاذي وصديقي... انني أضطلع هنا بمهمة على جانب عظيم من الصعوبة والخطورة ، هي محاولة انقاذ نصف مليون يوناني في جنوب روسيا والقوقاز! وأكثرهم يتحدثون بالتركية أو الروسية، ولكن قلوبهم جميعا تتحدث باليونانية. انهم جزء من شعبنا، وبحسبك ان ترى عيونهم اللامعة وبسماتهم الماكرة، ورؤوسهم المرفوعة في كبرياء وصلف وان تعرف كيف كافحوا وناضلوا حتى سادوا المنطقة وصار لهم عيد وخدم، لكي تدرك انهم حقا أحفاد بطلنا العظيم (اوديسيوس) وان من واجبنا أن نحبهم ونقاتل من اجلهم ولا ندعم يهلكون.. لقد فقدوا كل ما يملكون، وهم اليوم جياع عراة، يطاردهم الروس من ناحية، والاكراد من ناحية أخرى، وآلاف اللاجئين يفدون من شتى المناطق للاقامة في بعض مدن جورجيا وارمينيا. وليس ثمة طعام او دواء أو غطاء.. وآلاف آخرون يقفون بالموانئ وينظرون إلى الأفق في قلق، لعلهم يرون سفينة يونانية تعود بهم إلى أرض الوطن. إن هذا الجزء العزيز من شعبنا يعيش في ذعر وهلع، واذا تركناه لمصيره فسوف يهلك، ولكنا بحاجة إلى كثير من الحب والفهم والحماسة والبذل والتفكير السليم لكي ننقذه ونعيده سالما إلى بلدنا الحر الذي هو بحاجة إلى كل ابن من أبنائه. انني أذهب إلى القرى والمدن لأجمع اليونانيين معاً، كما أكتب التقريرات وأرسل البرقيات إلى المسؤولين في أثينا لكي يبعثوا إلينا بالسفن والطعام والثياب والأدوية، واذا كان النضال في حماسة واصرار يجلب لصاحبه السعادة، فأنا اذن جد سعيد. انت الآن قابع على شاطئ (كريت) تنصت إلى أمواج البحر وتصغي إلى نغمات (السانتوري) لأن لديك متسعا من الوقت، أما أنا فانني في دوامة من العمل والنشاط وأنا سعيد بذلك. ان العمل، والعمل المتواصل، يا أستاذي الخامل، هو صخرة النجاة لمن كان مثلنا. انا الآن بمدينة (كارس) ، وقد جئت إليها أجمع اليونانيين من القرى المجاورة وحدث في يوم وصولي أن أختطف الاكراد معلما وقسا من اليونانيين ودقوا حدوة حصان في قدم كل منهما، وكانت النتيجة ان دب الذعر في قلوب رؤساء الجالية اليونانية فلجئوا إلى البيت الذي أقيم فيه.. ان دوي مدافع الاكراد يزداد اقترابا كل ساعة وعيون اليونانيين جميعاً تتعلق بي، كما لو كنت الانسان الوحيد الذي يستطيع انقاذهم. لقد كان في نيتي الرحيل إلى (تفليس) غدا، ولكني وجدت ان من العار ان أرجل بينما الخطر يدنو من مواطني. ولا أقول لك انني لست خائفا، الواقع اني خائف ولكني أشعر بالخجل. ترى ماذا يفعل محارب (رمبران) لو أنه وجد نفسه في مثل مركزي؟ أعتقد أنه يبقى ، ولذلك سأبقى واذا دخل الاكراد المدينة فمن المحقق انني سأكون أول انسان يدق حدوة حصان في قدمه.. فهل خطر ببالك يوما يا أستاذي ان هذا سيكون مصير تلميذك؟ لقد قررنا.. بعد مناقشة حادة من تلك المناقشات اليونانية التي لا تنتهي ، ان يجتمع اليونانيون الليلة، وأن يجمعوا نساءهم وأطفالهم وبغالهم وجيادهم استعدادا للرحيل عند الفجر.. وسوف أكون انا الكبش الذي يتقدم القطيع عبر سلسلة من الجبال والوديان. ستكون هجرة جماعية أشبه بهجرة بني اسرائيل وسأكون أنا (موسى) هؤلاء المهاجرين ودليلهم إلى الأرض الموعودة. أرجو أيها الصديق والأستاذ أن تصلك هذه الرسالة، لانها قد تكون الأخيرة. انني لا أؤمن بالقوى الخفية التي تحرس الناس، وانما أؤمن بالقوى الغاشمة التي تضرب يمينا ويسارا بلا حقد وبغير قصد، لتقتل من يوقعه سوء حظه في طريقها. على انني اذا وجدت نفسي في خطر الموت، فسوف أتصل بك أينما كنت، لكي انذرك كما اتفقنا. | |
| | | الانثى الحائره المشرفة العــامة
عدد المساهمات : 4353 تاريخ التسجيل : 09/09/2009 العمر : 39 الموقع : ***قلـــبه***
| موضوع: رد: زوربــــــا اليونــــــــــاني السبت أكتوبر 17, 2009 3:36 pm | |
| ....
الفصل الثاني عشر
مرت ثلاثة أيام وأربعة وخمسة ولما يعد زوربا، وفي اليوم السادس تلقيت رسالة من مدينة (كانديا) تتألف من بضع صفحات من ورق عادي معطر وفي ركن كل ورقة صورة قلب يخترقه سهم. ويبدو أن زوربا تعود أن يمسك بالقلم كما يمسك بالفأس، فقد كانت الصفحات مليئة بالثقوب وبقع الحبر. وفيما يلي مضمون الرسالة بعد تصحيح أخطائها الهجائية واللغوية: "عزيزي الرأسمالي، يسرني أن أتناول القلم لأكتب إليك مستفسراً عن صحتك، أما أنا ففي خير حال والحمد لله. لقد أدركت من بعض الوقت أنني لم أجيء إلى هذه الدنيا لأكون حصانا أو ثورا، فالحيوانات وحدها هي التي تأكل لتعيش، ولكي تنسحب على هذه الصفة، فإنني أخلق لنفسي عملاً ليلا نهارا، وكثيرا ما أضحي بمصدر رزقي من أجل فكرة، لأني أعمل بالمثل القائل "عصفور نحيل على الجسر، أفضل من ببغاء سمينة في القفص". ان كثيرا من الناس يفخرون بوطنيتهم دون أن تكلفهم الوطنية شياً، أما أنا فلست وطنيا، ولن أكون، مهما كانت تكاليف الوطنية. وكثير من الناس يفكرون طويلاً، ويعصرون أذهانهم أما أنا فلا حاجة بي إلى التفكير ، فالخبر الطيب لا يسرني، والخبر السيء لا يحزنني، وسيان عندي ان يستولي اليونانيون على القسطنطينية، أو يستولي الاتراك على أثينا. الشيء الوحيد الذي يهمني، هو هل أنا حي أو ميت؟ وعلى ذكر الحياة والموت، أود أن أحدثك عن أمر يزعجني ويقض مضجعي، وأعني به الشيخوخة. ان الموت لا يهمني، فالحياة شمعة تطفئها لفحة هواء.. أما الشيخوخة فانها عار وفضيحة ولهذا أبذل قصارى جهدي لأمنع الناس من الاعتقاد بأنني كبرت. انني أرقص ، فيؤلمني ظهري، ولكني أواصل الرقص وأشرب، فتدور الدنيا بي ولكي أستمر في تناول الشراب كما يفعل الآخرون.. وأنا ألقي بنفسي في ماء البحر وأصاب بالبرد، ولكني أغالب السعال، حتى لا أتهم بالضعف والشيخوخة.. هل تذكر انك سمعتني مرة أسعل؟.. أبدا.. وأنا لا أخجل من الضعف والشيخوخة أمام الناس فحسب، وإنما أخجل منهما أمام نفسي كذلك.. أخجل منهما أمام زوربا ، فما قولك في ذلك يا أستاذي؟ ان في أعماقي شيطانا اسميه زوربا ، وزوربا الداخلي لا يحب الشيخوخة، ولم تتقدم به السن، ولن تتقدم.. أما زوربا الخارجي فقد ضمر جسده وشاب شعر رأسه وسقطت أسنانه وأحدثت الأيام شقوقا عميقة في وجهه. ولكن إلى متى سيستمر الصراع بين هذين الزربيين؟ وأيهما سيظفر بصاحبه؟ اذا مت عاجلا كان ذلك الخير كله، أما اذا امتد بي الأجل طويلا فسيأتي يوم أخسر فيه الحرية والكرامة.. ستطلب إلى ابنتي وابني أن أحمل ذراريهما ، أولئك الشياطين الصغار، وأن أسهر على سلامتهم.. وأنظف قذارتهم.. ومن المحقق انك ستمر كذلك بمثل هذا العار يوما ما ولذلك أرجو أن تصغي إلي.. وأن تعمل بنصيحتي.. دعنا نذهب إلى الجبال لنخرج من مناجمها الفحم والحديد والنحاس فاذا نجحنا وأبحنا من ذوي الثراء احترمنا الاقارب ولعق الاصدقاء أحذيتنا ورفع الجميع قبعاتهم لنا.. أما اذا لم ننجح، فهناك ذئاب ووحوش يمكنها أن تتكفل بنا، فما خلق الله الوحوش الا لتأكل أمثالنا، وتجنبهم مذلة الفقر وضياع الكرامة. وهنا رسم زوربا صورة لرجل طويل نحيل يلوذ باحدى الاشجار، بينما سبعة ذئاب تطارده وتجد في اثره وكتب تحت الصورة بحروف كبيرة: (زوربا والخطايا السبع). ثم مضى في رسالته يقول: سأقص عليم الآن ما حدث لي في (كانديا) لأنني بحاجة إلى نصائحك انك أصغر مني سنا بطبيعة الحال، ولكنك قرأت كتب الحكمة القديمة، وأصبحت إلى حد ما – ومعذرة من هذا التعبير – من الطراز القديم.. "أنا أعتقد أن لكل انسان رائحة خاصة.. واننا لا نلاحظ ذلك لأن روائحنا جميعا يمتزج بعضها ببعض، فيتعذر علينا تمييزها ورد كل رائحة إلى صاحبها.. كل ما نعلمه هو ان هذه الروائح في مجموعها تؤلف رائحة واحدة خبيثة هي التي نسميها (البشرية) وبعض الناس يحبون هذه الرائحة ويشمونها كما لو كانت عطرا، أما انا فانها تثير اشمئزازي. بيد ان للنساء انوفا كأنوف الكلاب، يميزون بها رائحة الرجل الذي يرغب فيهن.. ولعل ذلك هو السبب في انني ما أكاد أضع قدمي في مدينة، وعلى الرغم من شيخوختي ودمامتي، ورثاثة ثيابي، حتى أجد امرأة أو امرأتين تطاردانني وتقطعان علي السبيل. صفوة القول: انني عندما وصلت إلى (كانديا) في الغسق، كانت الحوانيت كلها مغلقة، فقصدت إلى إحدى الحانات، حيث تناولت بعض الطعام وعلفت البغل، ثم خطر لي أن أتجول قليلا في شوارع المدينة، لم أكن أعرف أحدا فيها، ولا أحد فيها يعرفني ، كنت حرا أصفر في الطريق واضحك وأتحدث إلى نفسي.. وكانت مصابيح الشوارع قد اضيئت.. والطرق حافلة بالنساء.. ورائحة العطور والمساحيق تختلط في الجو برائحة الشواء، فقلت لنفسي: كم بقي لك من العمر يا زوربا.. لماذا لا تستمتع بأيامك القليلة الباقية؟ وكنت في هذه اللحظة أجتاز الميدان الكبير، ولا شك أنك تعرفه فسمعت صيحات ونغمات موسيقى راقصة، فأرهفت اذني جيدا لأتبين مصدرها فاذا المصدر أحد الكباريهات الغربية.. وهذا ما كنت أنشده، فدخلت الكباريه وجلست أمام احدى الموائد.. ورأيت امرأة بدينه ترقص على المسرح، وترفع ذيلها، ولكني لم ألق لها بالا وطلبت قدحا من الجعة، وما هي الا لحظة حتى أقبلت مخلوقة سمراء صغيرة خفيفة الظل فجلست بجانبي وقالت وهي تضحك: - أتسمح لي بالجلوس يا جدي؟ فصعد الدم إلى رأسي، ووددت لو ادق عنقها، ولكني تمالكت نفسي ودعوت الخادم وطلبت إليه أن يحضر زجاجتين من الشمبانيا. ومعذرة يا سيدي اذا كنت قد انفقت بعض مالك، ولكن الاهانة كانت شديدة، وكان لا بد لي أن أنقذ شرفنا، شرفك وشرفي، وان أرغم هذه الصغيرة المستهترة على الركوع تحت أقدامنا، وأنا واثق أنك ما كنت لتتخلى عني في مثل هذا الموقف الدقيق. وأحضر الخادم الشمبانيا، ومزيدا من الشمبانيا، ثم مر رجل يبيع الياسمين، فاشتريت السلة كلها، وافرغتها في حجر التافهة العابثة التي تجرأت على اهانتنا.. وشربنا، وأسرفنا في الشراب، وأقسم لك انني لم أحاول مغازلتها.. عندما كنت شابا، كانت المغازلة هي الخطوة الأولى ، أما الآن بعد أن كبرت ، فان أول شي أفعله هو أن أنفق، وأنفق ببذخ وسخاء.. والنساء يعجبهن ذلك، قد تكون مقوس الظهر وقذرا، وحطاما، ولكنهن يتناسين كل هذا.. ولا يرين الا اليد التي تخرج النقود وتبعثرها بغير حساب. وهكذا انفقت في تلك الجلسة ثروة – بارك الله فيك ورد عليك اموالك اضعافا مضاعفة – وكانت النتيجة، ان ازدادت الفتاة قربا مني، وألصقت ركبتها بعظامي النخرة، ولكني تظاهرت بالبرود وقلة الاكتراث، رغم انني كنت في الواقع أتلظى.. وهذه هي الطريقة للعب بعقول النساء، ان تتظاهر بالاعراض عنهن، بينما انت تتحرق شوقا اليهن.. من الخير لك ان تعرف ذلك فقد تفيدك المعرفة اذا وجدت في مثل هذا الموقف. وانتصف الليل، وشرع الخدم في اطفاء الانوار وغلق الابواب، فاخرجت من جيبي حزمة من اوراق النقد ذات الالف دراخمة ودفعت الحساب وأعطيت الخدم منحة سخية، وحينذ تعلقت الفتاة بساعدي وسألتني وهي ترمقني بنظرة اغراء: - ما اسمك؟ - الجد. فقرصتني الفاجرة قرصة آلمتني وهمست قائلة: - تعال معي. فضغطت يدها الصغيرة بين يدي وقلت لها: - أهذا ما تريدينه؟ هلمي اذن. وعندما استيقظت في اليوم التالي كان الوقت ظهرا. وأجلت البصر حولي، فاذا بي في غرفة صغيرة أنيقة، بها مقاعد وثيرة، وزجاجات عطر متعددة الالوان، ومرايا من جميع الاحجام، وملابس أنيقة معلقة بالجدران، وحشد من الصور لبحارة وضباط، ونساء عاريات. ووجدت إلى جانبي في الفراش الوثير، صاحبتنا السمراء اللعوب، فأغمضت عيني وقلت لنفسي: - لقد دخلت الجنة وأنت على قيد الحياة يا زوربا.. هذا مكان جميل ويجب ألا تبرحه. وأحسب انني قلت لك ذات مرة يا استاذي ان لكل انسان جنته المفضلة، فالجنة بالنسبة اليك خزانة زاخرة بالكتب وعدد لا يحصى من زجاجات الحبر، وبالنسبة إلى البعض براميل من نبيذ وعرق وروم، وبالنسبة للآخرين صناديق مليئة بالنقود.. اما بالنسبة الي فهذه جنتي: غرفة صغيرة معطرة، وملابس ذات الوان مرحة معلقة بالجدران، وفراش كبير وثير.. وامرأة إلى جانبي. ان الاعتراف بالخطيئة هو نصف التوبة، واعترف لك بأنني لم أبرح الفراش في ذلك اليوم.. إلى أين أذهب؟ لقد كنت مرتاحا حيث أنا. وأرسلت إلى أحد المطاعم الكبرى في طلب طعام من الكافيار والسمك وعصير الليمون والقطائف. وفي المساء ، ارتديت ثيابي، وخرجت متأبطا ذراع صاحبتي في الطريق إلى الكباريه. ولا أطيل عليك الحديث.. انني مازلت اتبع هذا البرنامج، ولكن لا تنزعج.. فانني لم أنس المهمة التي اوفدتني فيها، ولسوف أشتري الاسلاك والادوات الاخرى.. ان تأخير يوم أو أسبوع أو شهر لن يؤثر كثيرا، ومن مصلحتك ان أنتظر حتى يصفو ذهني فلا أخدع في البضائع أو الأسعار.. فصبرا وثق بي ولا ينبغي أن تقلق على صحتي.. فالمغامرات تفيدني، وقد ردتني الأيام الأخيرة إلى شبابي، حتى لاتوقع أن تنبت لي أسنان جديدة وفي كل مرة انظر إلى المرآة وأعجب كيف لم يسترد شعر رأسي لونه الطبيعي، ويصبح أسود كطلاء الأحذية. ولعلك تسأل لماذا أكتب اليك كل هذا؟ والواقع.. انك لي بمثابة القس الذي يتلقى الاعتراف.. وأنا لا أستحي من الاعتراف لك بذنوبي وآثامي.. هل تعرف لماذا؟ لأني عهدتك حتى الآن لا تحفل بما أفعل ، سواء أكان خطأ أم صوابا.. وهذا ما يحفزني لأن أقول لك كل شيء.. فاصغ الي. كان أمس عيد أحد القديسين في قرية قريبة من (كانديا) فقالت لي لولا، وهذا اسم صديقتي الصغيرة السمراء: - هلم بنا يا جدي.. دعنا نشهد حفلات العيد. فأجبتها: - اذهبي أنت أيتها الجدة الصغيرة. - ولكني أريد الذهاب معك. - وأنا لا أريد الذهاب، لأني لا أحب القديسين.. اذهبي وحدك. - حسنا.. لن أذهب اذن. فنظرت إليها مبهوتا. - ولماذا لا تذهبين؟ - اذا جئت معي ذهبت والا فلا.. - ولكن لماذا.. أليست لك كل الحرية؟ - كلا. - ألا تريدين أن تكوني حرة؟ - كلا.. لا أريد.. وخيل إلي أنني لم أسمع جيدا وصحت بها: - ألا تريدين أن تكوني حرة؟ - كلا.. لا أريد أن أكون حرة. سيدي، انني أكتب إليك هذا من غرفة (لولا) على ورق (لولا) .. وأنا أعتقد أن الادميين وحدهم هم الذين يريدون الحرية.. ولكن النساء لا يرونها.. فترى هل هن ادميات؟ أرجو أن تكتب إلي على وجه السرعة.
(اليكسيس زوربا)
ما أن فرغت من تلاوة رسالة زوربا حتى تجاذبتني ثلاثة عوامل، فلم أدر هل أغضب ، أم أضحك ، أم أعجب بهذا الرجل البدائي الذي حطم غلاف الحياة بعناصره الثلاثة، المنطق والأخلاق والأمانة، ووصل مباشرة إلى اللباب. كان يفتقر إلى جميع الفضائل الصغيرة التي لا غناء عنها، ولم تكن له الا فضيلة واحدة قلقة خطرة تلح عليه باستمرار وتدفعه ، دائما إلى آخر الحدود وإلى الهوة. غمغمت أقول: - بارك الله في زوربا لقد كان يجسد جميع الآراء والخواطر المجردة التي تعتمل في داخلي.. فيمنحها هيكلا حيا دافئا.. وعندما لا يكون هنا، تضطرب آرائي وخواطري من جديد.. وتناولت ورقة وقلما، وكتبت هذه البرقية التي بعثت بها إليه: - "عد فورا". | |
| | | تالا مشرفة مميزة
عدد المساهمات : 2685 تاريخ التسجيل : 05/08/2009
| موضوع: رد: زوربــــــا اليونــــــــــاني السبت أكتوبر 17, 2009 6:47 pm | |
| عزيزتي ,,,
يسلم ايديك علي ما نقلبي
بدع بلا حدود
وقصة تستحق القرء | |
| | | | زوربــــــا اليونــــــــــاني | |
|
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى | |
|