حارثة بن النعمان
إنه الرجل الذي رد عليه جبريل السلام.. انه الرجل الذي سمع النبي صوته في الجنة وهو يقرأ القرآن.. انه الرجل الذي تكفل الله برزقه في الجنان..
انه الرجل الذي ضرب القدوة والاسوة في البر والاحسان.
فعن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
نمت فرأيتني في الجنة فسمعت صوت قارىء يقرأ، فقلت: من هذا؟ قالوا: هذا حارثة بن النعمان. فقال لها رسول الله صلي الله عليه وسلم:
كذاك البر، كذاك البر) وكان ابر الناس بأمه.
وقالت عائشة رضي الله عنها: “كان رجلان من اصحاب رسول الله ابر من كان في هذه الامة بأمهما: عثمان بن عفان، وحارثة بن النعمان رضي الله عنهما ،
اما عثمان فإنه قال: ما قدرت أتأمل وجه امي منذ أسلمت. وأما حارثة فكان يطعمها بيده، ولم يستفهمها كلاماً قط تأمر به، حتى يسأل من عندها بعد ان يخرج: ماذا قالت أمي؟”.
لقد اسلم حارثة رضي الله عنه على يد الداعية المكي وأول سفراء الاسلام الى المدينة (مصعب بن عمير) رضي الله عنه، وأسلمت امه (جعدة بنت عبيد) وأسلمت كذلك اسرته كلها.
وكان حارثة ممن استقبلوا رسول الله عند هجرته الى المدينة وازدادت فرحته لما نزل رسول الله في دار ابي ايوب الانصاري رضي الله عنه.
وذلك لأن حارثة كان من بني النجار فضمن بذلك ان يكون قريباً من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكان يتردد كثيراً على رسول الله ليقبس من هديه
واخلاقه وعلمه، ويتمنى من كل قلبه ان يفدي الحبيب بنفسه وبماله وبكل ما يملك.
ومن مواقفه النبيلة انه لما علم ان علياً تزوج فاطمة في منزل بعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم ترك منزله القريب من رسول الله لعلي وفاطمة لتقر
عين رسول الله بقربهما.وكذلك لما تزوج رسول الله صفية بنت حيي رضي الله عنها أنزلها في منزل من منازل حارثة بعد ان تحول حارثة عنه.
ويوم بدر قاتل حارثة قتال الأبطال، وخاض المعركة ببسالة وفداء، وقوة وثبات، وانقض على عثمان بن عبد شمس فأسره ولما بعثت قريش في فداء الأسرى
أرسل جبير بن مطعم في فداء عثمان ففاز حارثة بالأجر والفداء.
وشهد حارثة المشاهد والغزوات كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي حنين كان من المائة الصابرة الذين احاطوا برسول الله خوفاً عليه من ان يصيبه مكروه.
فعن حارثة انه قال: “رأيت جبريل من الدهر مرتين: يوم الصورتين موضع بالمدينة حين خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم الى بني قريظة،
مر بنا في صورة دحية، فأمرنا بلبس السلاح، ويوم موضح الجنائز حين رجعنا من حنين، مررت وهو يكلم النبي صلى الله عليه وسلم فلم أسلم.
فقال جبريل: من هذا يا محمد؟ قال: (حارثة بن النعمان) فقال: أما إنه من المائة الصابرة يوم حنين الذين تكفل الله بأرزاقهم في الجنة،
ولو سلم لرددنا عليه” فيا له من شرف، ويا لها من سعادة غمرت قلب حارثة.
وفي رواية عن حارثة رضي الله عنه قال: “مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه جبريل عليه السلام جالس في المقاعد يعني في
صورة رجل فسلمت عليه ثم أجزت، فلما رجعت وانصرف النبي صلى الله عليه وسلم قال: “هل رأيت الذي كان معي؟” قلت: نعم. قال فإنه جبريل وقد رد عليك السلام”.
فيا له من وسام من أوسمة الشرف والمكانة وضع على صدر حارثة رضي الله عنه يوم سلم عليه أمين السماء عليه السلام، ليذكر اسمه عند الرحيم الرحمن.
واستمر حارثة رضي الله عنه يتابع رحلة جهاده وكفاحه في حياة النبي، وفي عهد خلفائه الراشدين، ولن ينسى التاريخ موقفه لما حوصر عثمان بن عفان رضي الله عنه فقال له:
“ان شئت قاتلنا دونك”.
ومات حارثة رضي الله عنه في خلافة معاوية رضي الله عنه بعد ان ملأ الدنيا براً وعلماً، وبذلاً وعطاءً.
رضي الله عن حارثة وعن سائر الصحابة أجمعين