المؤرخ الاسرائيلي تيدي كاتس:
مذبحة الطنطورة حصلت ولا يمكن إنكارها ولديَ الإثبات
"280 رجلاً وامرأتان قضوا على يد عناصر من الوحدة 33 في لواء الاسكندروني"
"أساتذة الجامعات في إسرائيل لا يسمحون لطلابهم حتى اليوم بحث حرب الـ 48"
"لن يتاح لي إكمال دراستي في جامعة حيفا... ولن أنجزها خارج البلاد"
"يوم الاستقلال بالنسبة إليَ هو يوم النكبة"
احتلت قضية المؤرخ الاسرائيلي تيدي كاتس حيِزاً واسعاً من الاهتمام على الساحتين الاسرائيلية والعالمية، لا سيما مع التداعيات التي رافقت حرمانه من إكمال رسالة الدكتوراه في جامعة حيفا ، بسبب تطرقه في البحث إلى المذبحة التي ارتكبتها عناصر الوحدة 33 التابعة للواء " اسكندروني" في الجيش الاسرائيلي في قرية الطنطورة المهجرة عام 1948. وشدد كاتس في حديث خاص إلى مركز "سكايز" على أنه أخطأ بتوقيعه رسالة الاعتذار التي تراجع فيها عن تطرقه في بحثه إلى المذبحة، مؤكداً أنه ندم بعد عشر دقائق فقط من التوقيع, لافتاً إلى أنه لم يتمكن من تصحيح الخطأ الذي ارتكبه" من غير وعي وإدراك". ونتطرق في هذا السياق إلى تفاصيل الحديث ، بعد لمحة عن القضية.
لمحة عامة
استمر تيدي كاتس في توثيق تاريخ النكبة عام 1948 والصراع الفلسطيني- الاسرائيلي ، ولم يردعه إلغاء بحثه النهائي لنيل اللقب الثاني من قبل جامعة حيفا وقد أعاق القرار تسجيله لرسالة الدكتوراه ، كما لم تردعه القضية التي اثيرت ضده في المحكمة, بسبب تطرقه في البحث إلى المذبحة في قرية الطنطورة .وأثار البحث ضجة اعلامية إسرائيلية وعالمية، في ظل مطالبة بمقاطعة أكاديمية عالمية لجامعة حيفا ،وسببت القضية لكاتس معاناة نفسية وكلفته مبالغ طائلة,وقد سجَل تفاصيلها في ملف خاص نشره على شبكة "الانترنت" شرح فيه ما حدث معه بدقة ،مسلِطا" الضوء على طريقة تعامل جامعة حيفا مع قضيته والضغوط النفسية التي واجهها.
توثيق التفاصيل والرد على قرار اللجنة
أوضح كاتس في الملف سلوك جامعة حيفا وموقفها حيال القضية التي رفعت ضده من قبل عناصر وحدة الاسكندروني ،الذين شكوه الى المحكمة بعد أن تطرق في رسالته إلى مذبحة الطنطورة . وقد ردَ كاتس في الملف على قرار اللجنة التي فحصت الفصل الرابع من البحث الذي تطرق فيه إلى خروج الفلسطينيين من القرى التي تقع على سفوح جبال الكرمل عام 1948 وهي خمسة قرى، ولكن لغزارة المعلومات المتوفرة اكتفى في بحثه بالحديث عن قريتي أم الزينات والطنطورة والتي ارتكبت فيها مجزرة في العام 1948 ذهب ضحيتها 282 من أبنائها على يد عناصر الوحدة 33 من وحدة اسكندروني. قدم كاتس البحث النهائي لنيل اللقب الثاني عام 1998 وكان موضوعه "خروج العرب من القرى الواقعة على جبل الكرمل الجنوبي" قدمها في آذار من العام 1998 ونال علامة 97 عليها ، وفي السنة التالية استكمل واجبات اللقب الثاني وتسجل للقب الثالث (الدكتوراه)،نشر الصحافي أمير جيلات في ملحق "نهاية الأسبوع" الصادر مع صحيفة معاريف بتاريخ 21.1.2000 ،تقريرا" مفصلا" عن البحث الذي أعده وقدمه كاتس ،أثار ضجة وردود فعل إسرائيلية وعالمية، ونتيجة لذلك طالب أفراد وحدة الإسكندروني في رسالة قدمت إلى رئيس الجامعة بإعادة فحص البحث من جديد ,متهمين كاتس بارتكاب خطأ أكاديمي وأخلاقي وصهيوني ممكن، فأجابهم رئيس الجامعة بأنه تلقى طلبهم وهو قيد الفحص.
وعن هذا يقول كاتس "لم يذكر رئيس الجامعة في رسالته لهم أن وظيفتي صيغت وفق الأخلاقيات والمفاهيم الأكاديمية الصحيحة . ففي بداية شهر نيسان عام 2000 قام قائد الفرقة 33 لوحدة الاسكندروني عند احتلال الطنطورة "بينش فريدمان ",الذي يرأس جمعية "الاسكندروني" اليوم, بإبلاغ أفراد الوحدة المتقاعدين بقراره رفع قضية ضدي وضد جامعة حيفا التي طالبها بإلغاء البحث وعرضه ككاذب تنقصه الأسسس والقواعد الأكاديمية الصحيحة , وكذلك إلغاء لقبي الثاني ".
ويتابع "في تلك الفترة طالبتني الجامعة بأن أسلمها جميع التسجيلات للمقابلات التي أجريتها ورفضت ذلك ، وفي 16.2.2000 قدمت شكوى قضائية رسمية ضدي من أفراد وحدة الاسكندروني وفي اليوم نفسه قام عميد الدراسات المتقدمة في الجامعة بشطب اسمي من قائمة الطلاب المتفوقين من دون إعلامي بالموضوع أو إعلام البروفسور قيس فرو, وهو المشرف على إعدادي للرسالة . طالبت الجامعة بالوقوف إلى جانبي في القضية، ولكنها حصرت موقفها في الجانب الاكاديمي, ولم أنجح في إقناعها بأن تكون طرفا"في الموضوع، لذا قدمت شكوى إلى المحكمة أطالبها بأن تكون طرفا ثالثاً في القضية". طلبت الجامعة من كاتس أن يسلمها المقابلات المسجلة ولكنه أبلغ المسؤولين فيها أنه سيسلمهم اياها بعد انتهاء القضية في المحكمة ،فاشترطوا عليه إحضار التسجيلات للتأكد من وجودها, وإذا فعل فسيضعون اسمه من جديد على قائمة الطلاب المتفوقين ويستلم شهادة اللقب الثاني في حفل التخريج . أحضر كاتس التسجيلات وعرضها أمامهم ،وبتاريخ 19.6.2000 استلم شهادة اللقب الثاني, وفي 13و14 تشرين الاول العام 2000 تداولت المحكمة قضيته ومساء 19كانون الاول التقى كاتس برفقة محاميه وزوجته أربعة أفراد من وحدة اسكندروني ومحاميهم ومحامي الجامعة للتوصل إلى اتفاق تسوية بين الأطراف، وقد حاولوا ذلك خلال 6 أشهر ولم يفلحوا، وبعد ساعات من التفاوض وفي منتصف الليل وقعت الاتفاقية. وعن هذا يقول كاتس" اتخذت قراراً صعباً بعد ضغوط نفسية وبعد أن أجهدت وفقدت توازني وقدرتي على التفكير, فوقَعت من دون منطق، وبما يناقض موقفي السابق، على رسالة وفيها أعتذر وأتراجع عن تطرقي بالبحث للمعلومات عن مقتل سكان قرية الطنطورة بعد احتلالها عام 1948 بالفصل الرابع بوظيفتي. ندمت بعد عشر دقائق على قراري هذا وأردت التراجع، لم أهدأ بعدها, وفي صباح اليوم التالي قصدت ابن عمي المحامي الذي ترافع عني وأخبرته أني أود التراجع عن توقيعي (الذي وقعته من دون تفكير) ولكنه أبلغني أنه سيستقيل إذا نفذت قراري, قائلاً إن الأمر بات متأخراً فقد أرسلت الرسالة والاتفاقية إلى المحكمة ولا يمكن إلغاؤهما، ندمت على التوقيع ولكن التراجع كان متأخراً ومن دون فائدة". وبعد ذلك قدم محاميه استئنافاً إلى المحكمة العليا على قرار المحكمة المركزية إنهاء المحاكمة ورفض طلبه.
بعد انتهاء المحاكمة عيَنت الجامعة لجنة لفحص وظيفة كاتس, ففحصت دقة نقله للتسجيلات بصورة سليمة ومدى تطابقها مع فحوى الوظيفة ،وقدمت تقريرها إلى رئيس الجامعة في 10.6.2001. وفي 25.6.2001 أبلغ البروفسور فرو كاتس أنه يستطيع الاطلاع على قرار اللجنة وسينشر قريباً أمام الرأي العام الإسرائيلي، وتبين ان التقرير طويل (46 صفحة)،وعلم في اليوم نفسه أنه سيعقد في صبيحة 26.6.2006 مؤتمر صحافي عن التقرير . لم تتح له الجامعة الفرصة الكافية لقراءة التقرير للرد على الصحافيين ,فحضر كاتس المؤتمر وقد علم بعقده مصادفة (أي أنه بحسب قوله حضره من دون دعوة) , وجلس جانباً ،وفي مركز القاعة جلس 6 من أفراد وحدة الاسكندروني ومحاميهم ،فتساءل كاتس عن الجهة التي وجهت الدعوات, إذ كيف يُعقل ألا يدعى هو نفسه أو رئيس الفرع في الجامعة أو المرشد المسؤول عنه إلى المؤتمر؟
الرد على تقرير اللجنة الفاحصة وملاحظاتها
"لقد اعتنيت واهتممت بكل التفاصيل والشهادات وأظهرت أي تناقض وفارق وجدته فيما بينها وحاولت إظهار الحقيقة بالصورة الصحيحة والسليمة والتي ترتكز إلى معايير أكاديمية دقيقة وسليمة" يقول كاتس , ويضيف "أنا لست مجبراً على توثيق كل الأشرطة في كتابي والتي تمتد لحوالي 68 ساعة ، واحتفظت بها لأهميتها التاريخية، لكني دققت بوظيفتي بجميع تفاصيلها ومعلوماتها".ويتابع " لقد قامت اللجنة بعملها بعد ثلاث سنوات من تقديمي للوظيفة ،حاولت التشكيك ببعض الشهادات وبعض المعلومات ،أعترف أن هناك بعض الأخطاء البسيطة وبعض الاقتباسات غير الدقيقة ولكنها ليست جوهرية ولا تغير الحقيقة ولا تمس بالفحوى الأساسي للبحث، يمكن أن نجد مثل هذه الأخطاء في أي بحث, ومهما دققنا لا بد من وقوع بعض الأخطاء". ويؤكد كاتس أنه قابل في بحثه أشخاصاً من الجانبين "سكان من قرية الطنطورة الذين بقوا أحياء وشهدوا المذبحة و7 من المحاربين الذين شاركوا في احتلال القرية في ذلك الوقت حتى أن أحدهم ويدعى يوسف ناخط أجرت معه قناة الـ"بي بي سي" مقابلة خلال برنامج "كلام صعب" أداره المذيع تيم سبستيان فتحدث عن الأزمة النفسية التي عانى منها بعد احتلال الطنطورة وبعد ما حدث معه في اللد والرملة ما اضطره إلى ترك البلاد،جمعت جميع المصادر والكتب التي تحدثت عن احتلال القرى وقرية الطنطورة ،وفحصت صحة ودقة معلوماتها. لكن مقال أمير جيلات هو الذي أثار حفيظة أفراد وحدة الاسكندرونيلأنه تحدث عن قضية المذبحة وكشفها أمام الملأ".
ويختم كاتس "كتبت بحثي وفق قواعد وأسس أكاديمية, لا لتقدم أمام المحكمة . لقد أظهرت هذه القضية أن الجامعة غير قادرة على مواجهة الضغوط الخارجية وغير المتعلقة بالجانب الأكاديمي .لا يوجد عندي شك أن مذبحة الطنطورة قد حدثت والشهادات التي بيدي أثبتت ذلك, على الرغم من استمرار جامعة حيفا في إنكارها بالتعاون مع أفراد وحدة الاسكندروني ومحاميهم".